للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّعْزِيرَ لَوْ الْمُخَاطَبُ مِنْ الْأَشْرَافِ وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ (يَا حَجَّامُ يَا أَبْلَهُ يَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ) وَأَوْجَبَ الزَّيْلَعِيُّ التَّعْزِيرَ فِي يَا ابْنَ الْحَجَّامِ (يَا مُؤَاجِرُ) لِأَنَّهُ عُرْفًا بِمَعْنَى الْمُؤَجِّرِ (يَا بَغَّا) هُوَ الْمَأْبُونُ بِالْفَارِسِيَّةِ، وَفِي الْمُلْتَقَطِ فِي عُرْفِنَا يُعَزَّرُ فِيهِمَا وَفِي وَلَدِ الْحَرَامِ نَهْرٌ. وَالضَّابِطُ أَنَّهُ مَتَى نَسَبَهُ إلَى فِعْلٍ اخْتِيَارِيٍّ مُحَرَّمٍ شَرْعًا وَيُعَدُّ عَارًا

ــ

[رد المحتار]

فِي مَعْنَاهُمْ مِمَّنْ يَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ الْأَذَى وَالْوَحْشَةُ، بَلْ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْأَنْفُسِ الْأَبِيَّةِ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْوَحْشَةِ أَكْثَرُ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْعَلَوِيَّةِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَشْرَافِ مَنْ كَانَ كَرِيمَ النَّفْسِ حَسَنَ الطَّبْعِ وَذَكَرَ الْفُقَهَاءَ وَالْعَلَوِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ ذَلِكَ، فَمَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَلْحَقُهُ الشَّيْنُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُرَادِ لَازِمُهَا مِنْ نَحْوِ الْبَلَادَةِ وَخُبْثِ الطِّبَاعِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِنَفْسِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ لُحُوقُ الْوَحْشَةِ بِهِ، كَمَا لَوْ قِيلَ لِفَاسِقٍ يَا فَاسِقُ فَيَرْجِعُ إلَى مَا اسْتَحْسَنَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.

ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى قَالَ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْعَلَوِيِّ كُلُّ مُتَّقٍ وَإِلَّا فَالتَّخْصِيصُ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنَّهُ فِي الْأَخِسَّةِ أَمَّا فِي الْأَشْرَافِ فَالتَّعْزِيرُ اهـ فَافْهَمْ.

[تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ عَلَى وَجْهِ الْمُزَاحِ يُعَزَّرُ فَلَوْ بِطَرِيقِ الْحَقَارَةِ كَفَرَ؛ لِأَنَّ إهَانَةَ أَهْلِ الْعِلْمِ كُفْرٌ عَلَى الْمُخْتَارِ فَتَاوَى بَدِيعِيَّةٌ لَكِنَّهُ يُشْكِلُ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ سَبَّ الْخَتَنَيْنِ لَيْسَ بِكُفْرٍ. اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْخَتَنَيْنِ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - (قَوْلُهُ يَا أَبْلَهُ) بِمَعْنَى الْغَافِلِ (قَوْلُهُ وَأَبُوهُ لَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ لَيْسَ بِحَجَّامٍ، وَكَذَا لَا تَعْزِيرَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى (قَوْلُهُ وَأَوْجَبَ الزَّيْلَعِيُّ إلَخْ) كَأَنَّهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ فِي يَا ابْنَ الْحَجَّامِ لِمَوْتِ أَبِيهِ فَالسَّامِعُونَ لَا يَعْلَمُونَ كَذِبَهُ فَلَحِقَهُ الشَّيْنُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ يَا حَجَّامُ؛ لِأَنَّهُمْ يُشَاهِدُونَ صَنْعَتَهُ بَحْرٌ. وَدَفَعَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ التَّفْرِقَةَ تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِتَعْزِيرِهِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمَوْتِ أَبِيهِ. اهـ.

قُلْت: وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الزَّيْلَعِيِّ هَكَذَا: وَمِنْ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تُوجِبُ التَّعْزِيرَ قَوْلُهُ يَا رُسْتَاقِيُّ وَيَا ابْنَ الْأَسْوَدِ وَيَا ابْنَ الْحَجَّامِ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ. اهـ. فَقَوْلُهُ وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ: أَيْ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ وَغَيْرُهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عُرْفًا بِمَعْنَى الْمُؤَجِّرِ) قَالَ مُنْلَا خُسْرو: الْمُؤَاجِرُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يُؤَجِّرُ أَهْلَهُ لِلزِّنَا لَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيَّ الْمُتَعَارَفَ بَلْ بِمَعْنَى الْمُؤَجِّرِ (قَوْلُهُ يَا بَغَّا) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَيُقَالُ بَاغَا وَكَأَنَّهُ اُنْتُزِعَ مِنْ الْبِغَاءِ بَحْرٌ عَنْ الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ هُوَ الْمَأْبُونُ) أَيْ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ أَنْ يُؤْتَى فِي دُبُرِهِ لِدُودَةٍ وَنَحْوِهَا بَحْرٌ. قُلْت: لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِلدُّرَرِ: إنَّ الْبَغَّا مِنْ شَتْمِ الْعَوَامّ يَتَفَوَّهُونَ بِهِ وَلَا يَعْرِفُونَ مَا يَقُولُونَ اهـ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْمُتُونِ، مِنْ أَنَّهُ لَا تَعْزِيرَ فِيهِ.

أَمَّا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالْمَأْبُونِ فَلَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ بَعْدَمَا نَقَلَ عَنْ الْمُغْرِبِ إنَّهُ الْمَأْبُونُ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ التَّعْزِيرُ فِيهِ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْكَذِبِ فِيهِ، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ وُجُوبِ التَّعْزِيرِ فِي يَا مَعْفُوجُ: وَهُوَ الْمَأْتِيُّ فِي الدُّبُرِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ أَلْحَقَ الشَّيْنَ بِهِ، بَلْ الْبَغَّا أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْأُبْنَةَ عَيْبٌ شَدِيدٌ. قُلْت: وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَأْبُونَ هُوَ الَّذِي يَطْلُبُ أَنْ يُؤْتَى بِخِلَافِ الْمَعْفُوجِ وَهُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَالْجِيمِ، وَفَسَّرَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِالْمَضْرُوبِ فِي الدُّبُرِ: وَفِي الْقَامُوسِ: عَفَجَ يَعْفِجُ ضَرَبَ، وَجَارِيَتَهُ جَامَعَهَا (قَوْلُهُ يُعَزَّرُ فِيهِمَا) أَيْ فِي يَا مُؤَاجِرُ وَيَا بَغَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عُرْفَهُمْ اسْتِعْمَالُ مُؤَاجِرٍ فِيمَنْ يُؤَاجِرُ أَهْلَهُ لِلزِّنَا وَبَغَّا فِي الْمَأْبُونِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ. قُلْت: وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِنَا هَذَانِ اللَّفْظَانِ فِي الشَّتْمِ، فَيَنْبَغِي عَدَمُ التَّعْزِيرِ فِيهِمَا كَمَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ (قَوْلُهُ وَفِي وَلَدِ الْحَرَامِ) هَذَا ذَكَرَهُ فِي النَّهْرِ بَحْثًا، حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَزَّرَ فِي وَلَدِ الْحَرَامِ، بَلْ أَوْلَى مِنْ حَرَامْ زَادَهْ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي النَّهْرِ عِبَارَةَ الْمُلْتَقَطِ، فَفِي كَلَامِ الشَّارِحِ إيهَامٌ (قَوْلُهُ وَالضَّابِطُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ كَمَالٍ: فَخَرَجَ بِالْقَيْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>