السَّرِقَةِ لَا فِي دَعْوَى الزِّنَا وَهَذَا عَكْسُ الْحُكْمِ اهـ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ، وَكُلُّ تَعْزِيرٍ لِلَّهِ تَعَالَى يَكْفِي فِيهِ خَبَرُ الْعَدْلِ لِأَنَّهُ فِي حُقُوقِهِ تَعَالَى يَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ اتِّفَاقًا، وَيُقْبَلُ فِيهَا الْجَرْحُ الْمُجَرَّدُ كَمَا مَرَّ، وَعَلَيْهِ فَمَا يُكْتَبُ مِنْ الْمَحَاضِرِ فِي حَقِّ إنْسَانٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى. وَمَنْ أَفْتَى بِتَعْزِيرِ الْكَاتِبِ فَقَدْ أَخْطَأَ اهـ مُلَخَّصًا. وَفِي كَفَالَةِ الْعَيْنِيِّ عَنْ الثَّانِي: مَنْ يَجْمَعُ الْخَمْرَ وَيَشْرَبُهُ وَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ أَحْبِسُهُ وَأُؤَدِّبُهُ ثُمَّ أُخْرِجُهُ، وَمَنْ يُتَّهَمُ بِالْقَتْلِ وَالسَّرِقَةِ وَضَرْبِ النَّاسِ أَحْبِسُهُ وَأُخَلِّدُهُ فِي السِّجْنِ حَتَّى يَتُوبَ لِأَنَّ شَرَّ هَذَا عَلَى النَّاسِ، وَشَرَّ الْأَوَّلِ عَلَى نَفْسِهِ.
(شَتَمَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عُزِّرَ) لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً، وَتَقْيِيدُ مَسَائِلِ الشَّتْمِ بِالْمُسْلِمِ اتِّفَاقِيٌّ فَتْحٌ. وَفِي الْقُنْيَةِ: قَالَ لِيَهُودِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ يَا كَافِرُ يَأْثَمُ إنْ شَقَّ عَلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِارْتِكَابِهِ الْإِثْمَ بَحْرٌ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي النَّهْرِ
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ الْمُتَّهَمُ مَشْهُورًا بِالْفَسَادِ فَيَكْفِي فِيهِ عِلْمُ الْقَاضِي كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الشَّارِحِ. وَفِي رِسَالَةِ دَدَهْ أَفَنْدِي فِي السِّيَاسَةِ عَنْ الْحَافِظِ ابْنِ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ الْحَنْبَلِيِّ: مَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُ إنَّ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الدَّعْوَى وَمَا أَشْبَهَهَا يُحَلَّفُ وَيُرْسَلُ بِلَا حَبْسٍ، وَلَيْسَ تَحْلِيفُهُ وَإِرْسَالُهُ مَذْهَبًا لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ وَلَوْ حَلَّفْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَأَطْلَقْنَاهُ مَعَ الْعِلْمِ بِاشْتِهَارِهِ بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ وَكَثْرَةِ سَرِقَاتِهِ وَقُلْنَا لَا نَأْخُذُهُ إلَّا بِشَاهِدَيْ عَدْلٍ كَانَ مُخَالِفًا لِلسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّرْعَ تَحْلِيفُهُ وَإِرْسَالُهُ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا، لِنُصُوصِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ، وَلِأَجْلِ هَذَا الْغَلَطِ الْفَاحِشِ تَجَرَّأَ الْوُلَاةُ عَلَى مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ وَتَوَهَّمُوا أَنَّ السِّيَاسَةَ الشَّرْعِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَلَى سِيَاسَةِ الْخَلْقِ وَمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ، فَتَعَدَّوْا حُدُودَ اللَّهِ تَعَالَى وَخَرَجُوا مِنْ الشَّرْعِ إلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الظُّلْمِ وَالْبِدَعِ فِي السِّيَاسَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ، وَتَمَامُهُ فِيهَا.
وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ضَرْبَ الْمُتَّهَمِ بِسَرِقَةٍ مِنْ السِّيَاسَةِ، وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي فِي السَّرِقَةِ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ لِلْقَاضِي فِعْلَ السِّيَاسَةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي حَدِّ الزِّنَا مَعَ تَعْرِيفِ السِّيَاسَةِ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ) أَيْ مَا اُتُّهِمَ بِهِ، أَمَّا نَفْسُ التُّهْمَةِ: أَيْ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ يَكْفِي فِيهِ خَبَرُ الْعَدْلِ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِمُدَّعٍ شَهِدَ بِهِ لَوْ مَعَهُ آخَرُ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْفَتْحِ، وَلَعَلَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى عَدَمِ الْعَدَالَةِ (قَوْلُهُ يَقْضِي فِيهَا بِعِلْمِهِ اتِّفَاقًا) وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي زَمَانِنَا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، كَذَا فِي كَفَالَةِ النَّهْرِ، وَفِيهِ كَلَامٌ كَتَبْنَاهُ فِي قَضَاءِ الْبَحْرِ حَاصِلُهُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) الَّذِي مَرَّ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا بُيِّنَ سَبَبُهُ كَتَقْبِيلِ أَجْنَبِيَّةٍ وَعِنَاقِهَا، وَقَدْ فُسِّرَ الْمُجَرَّدُ بِمَا لَمْ يُبَيَّنْ سَبَبُهُ، فَالْمُرَادُ بِالْمُجَرَّدِ هُنَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي ضِمْنِ مَا تَصِحُّ بِهِ الدَّعْوَى، وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ فِيهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ، وَأَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ خَبَرُ الْعَدْلِ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَحَاضِرِ) جَمْعُ مَحْضَرٍ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يُعْرَضُ عَلَى السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ فِي شِكَايَةِ مُتَوَلٍّ أَوْ حَاكِمٍ وَيُثْبَتُ فِيهِ خُطُوطُ أَعْيَانِ الْبَلْدَةِ وَخَتْمُهُمْ.
وَيُسَمَّى فِي عُرْفِنَا عَرْضَ مَحْضَرٍ (قَوْلُهُ يُعْمَلُ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي كَفَالَةِ النَّهْرِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِخْبَارَ كَمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ يَكُونُ بِالْبَنَانِ، فَإِذَا كَتَبَ إلَى السُّلْطَانِ بِذَلِكَ لِيَزْجُرَهُ جَازَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ حَيْثُ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْعَدَالَةِ (قَوْلُهُ فَقَدْ أَخْطَأَ) وَالْفَرْعُ الْمُتَقَدِّمُ: أَيْ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ يُنَادِي بِخَطَئِهِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَفِي كَفَالَةِ الْعَيْنِيِّ إلَخْ) ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَأُؤَدِّبُهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الضَّرْبُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ ط (قَوْلُهُ وَالسَّرِقَةِ وَضَرْبِ النَّاسِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى أَوْ لِصِدْقِ التَّعْلِيلِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ بِخُصُوصِهِ ط (قَوْلُهُ حَتَّى يَتُوبَ) الْمُرَادُ حَتَّى تَظْهَرَ أَمَارَاتُ تَوْبَتِهِ إذْ لَا وُقُوفَ لَنَا عَلَى حَقِيقَتِهَا، وَلَا يُقَدَّرُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إذْ قَدْ تَحْصُلُ التَّوْبَةُ قَبْلَهَا، وَقَدْ لَا تَظْهَرُ بَعْدَهَا، كَذَا حَقَّقَهُ الطَّرَسُوسِيُّ وَأَقَرَّهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ
(قَوْلُهُ وَتَقْيِيدُ مَسَائِلِ الشَّتْمِ) أَيْ الْوَاقِعِ فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ، وَهَذَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ. وَاَلَّذِي فِي الْفَتْحِ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا قَبْلَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute