للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَّلَ أُخْتَهُ مَثَلًا وَيَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِمُدَّعٍ شَهِدَ بِهِ فَيَكُونُ مُدَّعِيًا شَاهِدًا لَوْ مَعَهُ آخَرُ. وَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا مُرُوءَةٍ وَكَانَ أَوَّلَ مَا فَعَلَ يُوعَظُ اسْتِحْسَانًا وَلَا يُعَزَّرُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ، فَإِنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَيْسَ لِلْقَاضِي إسْقَاطُهَا فَتْحٌ. وَمَا فِي كَرَاهِيَةِ الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ يُصَلِّي وَيَضْرِبُ النَّاسَ بِيَدِهِ وَلِسَانِهِ فَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ السُّلْطَانِ بِهِ لِيَنْزَجِرَ، يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ، وَأَنَّ إعْلَامَ الْقَاضِي بِذَلِكَ يَكْفِي لِتَعْزِيرِهِ نَهْرٌ. قُلْت: وَفِيهِ مِنْ الْكَفَالَةِ مَعْزِيًّا لِلْبَحْرِ وَغَيْرِهِ: لِلْقَاضِي تَعْزِيرُ الْمُتَّهَمِ قَاصِدًا نِسْبَتَهُ إلَيْهِ فَيَقْتَضِي التَّعْزِيرَ فِي دَعْوَى

ــ

[رد المحتار]

عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا عَفْوَ، وَهَذَا أَخَذَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْأَوَّلِ وَالْيَمِينُ فَقَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَحْلِفُ فِيهِ إلَخْ (قَوْلُهُ كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَبَّلَ أُخْتَهُ) أَيْ أُخْتَ نَفْسِهِ. وَاَلَّذِي فِي النَّهْرِ أَجْنَبِيَّةً، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أُخْتَ الْمُدَّعِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكُونُ حَقَّ عَبْدٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ بِذَلِكَ عَارٌ شَدِيدٌ يَحْمِلُهُ عَلَى الْغَيْرَةِ لِمَحَارِمِهِ كَمَا لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُرَادَ أُخْتُ الْمُقَبِّلِ (قَوْلُهُ وَيَجُوزُ إثْبَاتُهُ إلَخْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا عَفْوَ، فَهُوَ مِنْ التَّفْرِيعِ أَيْضًا عَلَى كَوْنِهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ لَوْ مَعَهُ آخَرُ) كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَيَأْتِي أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ إخْبَارُ عَدْلٍ وَاحِدٍ، وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي عَدْلًا يَكْفِي وَحْدَهُ.

(قَوْلُهُ وَغَيْرِهَا) كَالْخَانِيَّةِ وَالْكَافِي (قَوْلُهُ ذَا مُرُوءَةٍ) قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَالْمُرُوءَةُ عِنْدِي فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فَتْحٌ) أَقُولُ: اخْتَصَرَ عِبَارَةَ الْفَتْحِ اخْتِصَارًا مُخِلًّا تَبِعَ فِيهِ النَّهْرَ، فَإِنَّهُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ مَا وَجَبَ مِنْ التَّعْزِيرِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ. ثُمَّ اسْتَشْكَلَ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْقُنْيَةِ فَقَالَ: إنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إلَخْ أَيْ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ نَاقَضَ قَوْلَهُ أَوَّلًا إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَ عَنْ الْقُنْيَةِ وَالْخَانِيَّةِ سَوَاءٌ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا يُنَاقِضُ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا مُرُوءَةٍ فَقَدْ حَصَلَ تَعْزِيرُهُ بِالْجَرِّ إلَى بَابِ الْقَاضِي وَالدَّعْوَى، وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَلَا يُعَزَّرُ مَعْنَاهُ لَا يُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ بِالضَّرْبِ اهـ مُلَخَّصًا. وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الشَّارِحَ اقْتَصَرَ عَلَى مَحَلِّ الِاسْتِشْكَالِ الْمُخَالِفِ لِقَوْلِهِ أَوَّلًا فَلَا عَفْوَ فِيهِ، وَتَرَكَ الْمَقْصُودَ مِنْ الْجَوَابِ فَافْهَمْ.

أَقُولُ: وَيَظْهَرُ لِي دَفْعُ الْمُنَاقَضَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَرْكُهُ إلَّا إذَا عَلِمَ انْزِجَارَ الْفَاعِلِ كَمَا مَرَّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْفَاعِلَ إذَا كَانَ ذَا مُرُوءَةٍ فِي الدِّينِ وَالصَّلَاحِ يُعْلَمُ مِنْ حَالِهِ الِانْزِجَارُ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهُ لَا يَكُونُ عَادَةً إلَّا عَنْ سَهْوٍ وَغَفْلَةٍ، وَلِذَا لَمْ يُعَزَّرْ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ مَا لَمْ يَعُدْ، بَلْ يُوعَظُ لِيَتَذَكَّرَ إنْ كَانَ سَاهِيًا وَلِيَتَعَلَّمَ إنْ كَانَ جَاهِلًا بِدُونِ جَرٍّ إلَى بَابِ الْقَاضِي، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ آخِرَ الْبَابِ مِنْ بِنَاءِ مَا هُنَا عَلَى اسْتِثْنَاءِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ مِنْ وُجُوبِ التَّعْزِيرِ (قَوْلُهُ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ) أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَا إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي كَفَالَةِ النَّهْرِ، فَهَذَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ الشَّهَادَةِ. قُلْت: لَكِنَّ غَايَةَ مَا أَفَادَهُ فَرْعُ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ مَنْ أَعْلَمَ السُّلْطَانَ بِهِ، وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ السُّلْطَانِ عَادِلًا أَوْ جَائِرًا يُخْشَى مِنْهُ قَتْلُهُ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُبَاحُ قَتْلُ كُلِّ مُؤْذٍ: أَيْ إذَا لَمْ يَنْزَجِرْ. وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا تَعَرُّضٌ لِثُبُوتِ تَعْزِيرِهِ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَضْلًا عَنْ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي. عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِإِعْلَامِ السُّلْطَانِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ تَأَمَّلْ.

مَطْلَبٌ فِي تَعْزِيرِ الْمُتَّهَمِ (قَوْلُهُ لِلْقَاضِي تَعْزِيرُ الْمُتَّهَمِ) ذَكَرُوا فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ أَنَّ التُّهْمَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ مَسْتُورَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ، فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَاحِدٌ مَسْتُورٌ وَفَاسِقٌ بِفَسَادِ شَخْصٍ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ حَبْسُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ عَدْلًا أَوْ مَسْتُورَيْنِ فَإِنَّ لَهُ حَبْسَهُ بَحْرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>