للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالتَّكْفِيلُ زَيْلَعِيٌّ (وَالْيَمِينُ) وَيُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا لَهُ عَلَيْك هَذَا الْحَقُّ الَّذِي يَدَّعِي لَا بِاَللَّهِ مَا قُلْت خُلَاصَةٌ (وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَشَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيَكُونُ أَيْضًا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا عَفْوَ فِيهِ إلَّا إذَا عَلِمَ الْإِمَامُ انْزِجَارَ الْفَاعِلِ وَلَا يَمِينَ.

ــ

[رد المحتار]

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ مَا مَرَّ مِنْ أَلْفَاظِ الْقَذْفِ وَالشَّتْمِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْزِيرِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا شَرْعًا. قَالَ تَعَالَى - {وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} [الحجرات: ١١]- فَكَانَ فِيهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ الْعَبْدِ وَغَلَبَ حَقُّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ، وَلِذَا لَوْ عَفَا سَقَطَ التَّعْزِيرُ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ بِالْعَكْسِ كَمَا مَرَّ، وَرُبَّمَا تَمَحَّضَ حَقُّ الْعَبْدِ كَمَا إذَا شَتَمَ الصَّبِيُّ رَجُلًا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَحَلِّ فَافْهَمْ.

مَطْلَبٌ فِيمَا لَوْ شَتَمَ رَجُلًا بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ [تَنْبِيهٌ] ذَكَرَ ابْنُ الْمُصَنِّفِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ كَوْنِهِ حَقَّ عَبْدٍ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى: هِيَ أَنَّ رَجُلًا شَتَمَ آخَرَ بِأَلْفَاظٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ أَلْفَاظِ الشَّتْمِ الْمُوجِبِ لِلتَّعْزِيرِ، وَهُوَ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعِبَادِ لَا تَدَاخُلَ فِيهَا، بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، لَكِنَّ كَلَامَهُمْ يُفِيدُهُ، نَعَمْ التَّعْزِيرُ الَّذِي هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى يَنْبَغِي الْقَوْلُ فِيهِ بِالتَّدَاخُلِ. اهـ. وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِوَالِدِهِ الْمُصَنِّفِ وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ كَمَا مَرَّ قُبَيْلَ هَذَا الْبَابِ. قُلْت: وَمُقْتَضَى هَذَا تَعَدُّدُهُ أَيْضًا لَوْ شَتَمَ جَمَاعَةً بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مِثْلُ أَنْتُمْ فَسَقَةٌ أَوْ بِأَلْفَاظٍ، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ كَمَا مَرَّ هُنَاكَ (قَوْلُهُ وَالتَّكْفِيلُ) أَيْ أَخْذُ كَفِيلٍ بِنَفْسِ الشَّاتِمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إذَا قَالَ الْمَشْتُومُ لِي عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ كَمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ زَيْلَعِيٌّ) تَمَامُ عِبَارَةِ الزَّيْلَعِيِّ وَشُرِعَ فِي حَقِّ الصِّبْيَانِ اهـ وَسَيَأْتِي مَتْنًا (قَوْلُهُ وَالْيَمِينُ) يَعْنِي إذَا أَنْكَرَ أَنَّهُ سَبَّهُ يَحْلِفُ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لَا بِاَللَّهِ مَا قُلْت) أَيْ لَا يُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ مَا قُلْت لَهُ يَا فَاسِقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْمَشْتُومُ بِمِثْلِهِ أَوْ عَفَا عَنْهُ أَوْ أَنَّهُ فَاسِقٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا بَيِّنَةَ لِلشَّاتِمِ، فَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْسَ عَلَيْهِ لِلْمَشْتُومِ حَقُّ التَّعْزِيرِ الَّذِي يَدَّعِي: كَمَا لَوْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ مِنْهُ كَذَا وَأَنْكَرَ فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ مَا لَهُ عَلَيْك الْأَلْفُ الَّذِي يَدَّعِي لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اسْتَقْرَضَ وَأَوْفَاهُ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُدَّعِي (قَوْلُهُ وَشَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ) صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَكَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمُنْتَقَى.

وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ: لَا تُقْبَلُ فِي التَّعْزِيرِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ كَالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ. وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ اهـ أَفَادَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ. قُلْت: وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ أَيْضًا عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهُ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ وَكَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهَا تُقْبَلُ فَلِذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِقَبُولِهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ) أَيْ كَمَا فِي بَاقِيهَا (قَوْلُهُ وَيَكُونُ أَيْضًا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى) أَيْ خَالِصًا لَهُ تَعَالَى كَتَقْبِيلِ أَجْنَبِيَّةٍ وَحُضُورِ مَجْلِسِ فِسْقٍ (قَوْلُهُ فَلَا عَفْوَ فِيهِ) كَذَا قَالَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ عَنْ مُشْكِلِ الْآثَارِ أَنَّ إقَامَةَ التَّعْزِيرِ إلَى الْإِمَامِ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا الثَّلَاثَةِ وَالشَّافِعِيِّ، وَالْعَفْوَ إلَيْهِ أَيْضًا. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَعِنْدِي أَنَّ الْعَفْوَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا لِلْإِمَامِ. قَالَ صَاحِبُ الْقُنْيَةِ: وَلَعَلَّ مَا قَالُوهُ فِي التَّعْزِيرِ الْوَاجِبِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ فِيمَا إذَا جَنَى عَلَى إنْسَانٍ اهـ فَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ.

قُلْت: لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْفَتْحِ أَوَّلَ الْبَابِ أَنَّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ مِنْ التَّعْزِيرِ كَمَا فِي وَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ الْمُشْتَرَكَةِ وَجَبَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِيهِ، وَمَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْزَجِرُ إلَّا بِهِ وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ زَاجِرٌ مَشْرُوعٌ لِحَقِّهِ تَعَالَى كَالْحَدِّ، وَمَا عَلِمَ أَنَّهُ انْزَجَرَ بِدُونِهِ لَا يَجِبُ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ الْعَفْوَ فِيهِ لِلْإِمَامِ بِمَعْنَى تَفْوِيضِهِ إلَى رَأْيِهِ، إنْ ظَهَرَ لَهُ الْمَصْلَحَةُ فِيهِ أَقَامَهُ، وَإِنْ ظَهَرَ عَدَمُهَا أَوْ عَلِمَ انْزِجَارَهُ بِدُونِهِ يَتْرُكُهُ، وَبِهِ تَنْدَفِعُ الْمُخَالَفَةُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلَا يَمِينَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>