للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ أُنْثَى أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَجْنُونًا حَالَ إفَاقَتِهِ (نَاطِقٍ بَصِيرٍ) فَلَا يُقْطَعُ أَخْرَسُ لِاحْتِمَالِ نُطْقِهِ بِشُبْهَةٍ، وَلَا أَعْمَى لِجَهْلِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ (عَشَرَةَ دَرَاهِمَ) لَمْ يَقُلْ مَضْرُوبَةً لِمَا فِي الْمُغْرِبِ: الدَّرَاهِمُ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبَةِ (جِيَادًا أَوْ مِقْدَارَهَا) فَلَا قَطْعَ بِنُقْرَةٍ وَزْنُهَا عَشَرَةٌ لَا تُسَاوِي عَشَرَةً مَضْرُوبَةً،

ــ

[رد المحتار]

مِنْ اللُّصُوصِ مَنْزِلَ رَجُلٍ وَيَأْخُذُوا مَتَاعَهُ وَيَحْمِلُوهُ عَلَى ظَهْرِ وَاحِدٍ وَيُخْرِجُوهُ مِنْ الْمَنْزِلِ، فَإِنَّ الْكُلَّ يُقْطَعُونَ اسْتِحْسَانًا وَسَيَأْتِي بَحْرٌ. وَأَخْرَجَ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا، لَكِنَّهُمَا يَضْمَنَانِ الْمَالَ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ أَوْ عَبْدًا) فَهُوَ كَالْحُرِّ هُنَا؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَتَنَصَّفُ بِخِلَافِ الْجَلْدِ (قَوْلُهُ أَوْ كَافِرًا) الْأَوْلَى أَوْ ذِمِّيًّا لِمَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ إذَا سَرَقَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْطَعْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَقْطَعُهُ (قَوْلُهُ أَوْ مَجْنُونًا حَالَ إفَاقَتِهِ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ مَجْنُونًا فِي غَيْرِ حَالِ أَخْذِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَوْ أُنْثَى إلَخْ تَعْمِيمٌ لِلْمُكَلَّفِ فَيَصِيرُ الْمَعْنَى أَخْذُ مُكَلَّفٍ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُكَلَّفُ مَجْنُونًا فِي حَالِ إفَاقَتِهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، فَإِنَّهُ فِي حَالِ الْإِفَاقَةِ عَاقِلٌ لَا مَجْنُونٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَ حَالَ إفَاقَتِهِ ظَرْفًا لِأَخْذٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَخْذُ مَجْنُونٍ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهِ أَخْذُ مُكَلَّفٍ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مَجْنُونًا نَظَرًا إلَى حَالِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَخْذِ فَيَرْجِعُ إلَى مَا قُلْنَا تَأَمَّلْ.

وَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُجَنُّ وَيُفِيقُ، فَإِنْ سَرَقَ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ قُطِعَ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. بَقِيَ لَوْ جُنَّ بَعْدَ الْأَخْذِ هَلْ يُقْطَعُ أَمْ تُنْتَظَرُ إفَاقَتُهُ؟ قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ: ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي النَّهْرِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الِاعْتِبَارِ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ إفَاقَتِهِ، إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالْقَطْعِ بِأَنَّ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ الْجَلْدُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَبْلَهَا لِزَوَالِ الْأَلَمِ قَبْلَ الْإِفَاقَةِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ. اهـ. قُلْت: لَكِنْ فِي حَدِّ الشُّرْبِ مِنْ الْبَحْرِ: إذَا أَقَرَّ السَّكْرَانُ بِالسَّرِقَةِ وَلَمْ يُقْطَعْ لِسُكْرِهِ أُخِذَ مِنْهُ الْمَالُ ثُمَّ قَالَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالشُّرْبِ وَهُوَ سَكْرَانُ قَبِلَتْ، وَكَذَا بِالزِّنَا وَهُوَ سَكْرَانُ، كَمَا إذَا زَنَى وَهُوَ سَكْرَانُ وَكَذَا بِالسَّرِقَةِ وَهُوَ سَكْرَانُ، وَيُحَدُّ بَعْدَ الصَّحْوِ وَيُقْطَعُ اهـ فَهَذَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ صَحْوِهِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْجُنُونِ وَالسُّكْرِ بِأَنَّ السُّكْرَ لَهُ غَايَةٌ، بِخِلَافِ الْجُنُونِ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ انْتِظَارُ إفَاقَتِهِ لِانْدِرَاءِ الْحَدِّ بِالشُّبْهَةِ، وَهِيَ هُنَا احْتِمَالُ إبْدَاءِ مَا يُسْقِطُهُ إذَا أَفَاقَ كَمَا لَا يُقْطَعُ الْأَخْرَسُ لِذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ نَاطِقٍ بَصِيرٍ) زَادَ فِي الْبَحْرِ هُنَا قَيْدًا آخَرَ، وَهُوَ كَوْنُهُ صَاحِبَ يَدٍ يُسْرَى وَرِجْلٍ يُمْنَى صَحِيحَتَيْنِ، وَسَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْقَطْعِ.

(قَوْلُهُ لِجَهْلِهِ بِمَالِ غَيْرِهِ) يَعْنِي أَنَّ مُقْتَضَى حَالِهِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ) لِمَا رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ» وَرَجَّحَ هَذِهِ عَلَى رِوَايَةِ رُبُعِ دِينَارٍ وَرِوَايَةِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالْأَكْثَرِ أَحْوَطُ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ كَمَا بَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ، وَأَطْلَقَ الدَّرَاهِمَ فَانْصَرَفَتْ إلَى الْمَعْهُودَةِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْعَشَرَةُ مِنْهَا وَزْنَ سَبْعَةِ مَثَاقِيلَ كَمَا فِي الزَّكَاةِ بَحْرٌ، وَمِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ: وَبَحَثَ فِيهِ الْكَمَالُ بِأَنَّ الدَّرَاهِمَ كَانَتْ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُخْتَلِفَةً: صِنْفٌ عَشَرَةٌ وَزْنُ خَمْسَةٍ، وَصِنْفٌ وَزْنُ سِتَّةٍ، وَصِنْفٌ وَزْنُ عَشَرَةٍ، فَمُقْتَضَى تَرْجِيحِهِمْ الْأَكْثَرَ فِيمَا مَرَّ تَرْجِيحُهُ هُنَا أَيْضًا، وَتَمَامُهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ مَضْرُوبَةً) أَيْ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِلْقَطْعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ جِيَادًا) فَلَوْ سَرَقَ زُيُوفًا أَوْ نَبَهْرَجَةً أَوْ سَتُّوقَةً فَلَا قَطْعَ إلَّا أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً قِيمَتُهَا نِصَابٌ مِنْ الْجِيَادِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ أَوْ مِقْدَارَهَا) أَيْ قِيمَةً، فَلَوْ سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ قِيمَتُهُ النِّصَابُ قُطِعَ عِنْدَنَا بَحْرٌ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى عَشْرٍ. اهـ. ح (قَوْلُهُ فَلَا قَطْعَ بِنُقْرَةٍ) هِيَ الْقِطْعَةُ الْمُذَابَةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَامُوسٌ وَالْمُرَادُ الثَّانِي ط وَهَذَا مُحْتَرَزُ كَوْنِ الْعَشَرَةِ مَضْرُوبَةً، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِ عَشَرَةٍ فِضَّةً تُسَاوِي عَشَرَةً مَسْكُوكَةً لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ فِي مَحَلِّ النَّصِّ، وَهُوَ أَنْ يَسْرِقَ فِضَّةً وَزْنَ عَشَرَةٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ، فَأَفَادَ أَنَّ الْفِضَّةَ غَيْرَ الْمَسْكُوكَةِ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْوَزْنُ وَالْقِيمَةُ: أَيْ كَوْنُ وَزْنِهَا عَشَرَةً تُسَاوِي عَشَرَةً مَسْكُوكَةً، فَلَا قَطْعَ لَوْ نَقَصَ الْوَزْنُ عَنْ عَشَرَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>