للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(مِنْ حِرْزٍ) بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ اتَّحَدَ مَالِكُهُ أَمْ تَعَدَّدَ (لَا شُبْهَةَ وَلَا تَأْوِيلَ فِيهِ) وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ كَمَا سَيَتَّضِحُ (فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ بِهَا مَرَّةً) وَإِلَيْهِ رَجَعَ الثَّانِي (طَائِعًا) فَإِقْرَارُهُ بِهَا مُكْرَهًا بَاطِلٌ. وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ

ــ

[رد المحتار]

فَلَوْ سَرَقَ بَعْضُ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْبَعْضِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَأُخِذَ السَّارِقُ لَا يَقْطَعُهُ الْإِمَامُ اهـ قُلْت: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لَوْ سَرَقَ فِي دَارِ الْبَغْيِ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْعَدْلِ تَأَمَّلْ.

وَلَمْ يَذْكُرْ سَرِقَةَ أَهْلِ الْعَدْلِ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَعَكْسَهُ. وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَغَارَ عَلَى عَسْكَرِ الْبَغْيِ لَيْلًا فَسَرَقَ مِنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَالًا فَجَاءَ بِهِ إلَى إمَامِ الْعَدْلِ لَا يَقْطَعُهُ؛ لِأَنَّ لِأَهْلِ الْعَدْلِ أَخْذَ أَمْوَالِهِمْ عَلَى وَجْهِ السَّرِقَةِ وَيُمْسِكُهُ إلَى أَنْ يَتُوبُوا أَوْ يَمُوتُوا، وَفِي الْعَكْسِ لَوْ أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَتَى بِهِ إمَامَ أَهْلِ الْعَدْلِ لَمْ يَقْطَعْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُحَارِبٌ يَسْتَحِلُّ هَذَا اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ مِنْ حِرْزٍ) هُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ: حِرْزٌ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ كُلُّ بُقْعَةٍ مُعَدَّةٍ لِلْإِحْرَازِ مَمْنُوعٍ مِنْ الدُّخُولِ فِيهَا إلَّا بِإِذْنٍ كَالدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْخِيَمِ وَالْخَزَائِنِ وَالصَّنَادِيقِ. أَوْ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ كُلُّ مَكَان غَيْرِ مُعَدٍّ لِلْإِحْرَازِ وَفِيهِ حَافِظٌ كَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ وَالصَّحْرَاءِ. وَفِي الْقُنْيَةِ: لَوْ سَرَقَ الْمَدْفُونَ فِي مَفَازَةٍ يُقْطَعُ بَحْرٌ. قُلْت: وَجَزَمَ الْمَقْدِسِيَّ بِضَعْفِ مَا فِي الْقُنْيَةِ كَمَا نَذْكُرُهُ فِي النَّبَّاشِ (قَوْلُهُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ) فَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَهُ ثُمَّ دَخَلَ وَأَخْرَجَ بَاقِيَهُ لَمْ يُقْطَعْ زَيْلَعِيٌّ وَغَيْرُهُ. قُلْت: وَهَذَا لَوْ أَخْرَجَهُ إلَى خَارِجِ الدَّارِ لِمَا فِي الْجَوْهَرَةِ: وَلَوْ دَخَلَ دَارًا فَسَرَقَ مِنْ بَيْتٍ مِنْهَا دِرْهَمًا فَأَخْرَجَهُ إلَى صَحْنِهَا ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَ دِرْهَمًا آخَرَ وَهَكَذَا حَتَّى سَرَقَ عَشَرَةً فَهَذِهِ سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا أَخْرَجَ الْعَشَرَةَ مِنْ الدَّارِ قُطِعَ، وَإِنْ خَرَجَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهَا سَرِقَاتٌ اهـ وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَيْضًا: لَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ فَصَاعِدًا، إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا اطِّلَاعُ الْمَالِكِ فَأَصْلَحَ النَّقْبَ أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ، فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى فَلَا يَجِبُ الْقَطْعُ إذَا كَانَ الْمُخْرَجُ فِي كُلِّ دُفْعَةٍ دُونَ النِّصَابِ، وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ ذَلِكَ قَطْعٌ اهـ وَمِثْلُهُ فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ قُبَيْلَ فَصْلِ الْقَطْعِ، فَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلْ ذَلِكَ قَطْعٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ النِّصَابِ إلَى خَارِجِ الدَّارِ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ اطِّلَاعِ الْمَالِكِ وَإِصْلَاحِهِ النَّقْبَ أَوْ إغْلَاقِهِ الْبَابَ أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَهُوَ خِلَافُ مَا أَطْلَقَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ الْقَطْعِ كَمَا عَلِمْت؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ بَلْ بَعْضَ نِصَابٍ، نَعَمْ اطِّلَاعُ الْمَالِكِ لَهُ اعْتِبَارٌ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَيْضًا، وَهِيَ لَوْ نَقَبَ الْبَيْتَ ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا إلَّا فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ، إنْ كَانَ ظَاهِرًا وَعَلِمَ بِهِ رَبُّ الْمَنْزِلِ وَلَمْ يَسُدَّهُ لَمْ يُقْطَعْ وَإِلَّا قُطِعَ. اهـ.

وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِهِ وَلَمْ يَسُدَّهُ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا وَإِلَّا بَقِيَ حِرْزًا، إذْ لَوْ لَمْ يَبْقَ حِرْزًا لَزِمَ أَنْ لَا تَتَحَقَّقَ سَرِقَتُهُ بَعْدَ هَتْكِ الْحِرْزِ (قَوْلُهُ اتَّحَدَ مَالِكُهُ أَمْ تَعَدَّدَ) فَلَوْ سَرَقَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ قُطِعَ، وَلَوْ سَرَقَ اثْنَانِ نِصَابًا مِنْ وَاحِدٍ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا فَالْعِبْرَةُ لِلنِّصَابِ فِي حَقِّ السَّارِقِ لَا الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْحِرْزُ وَاحِدًا، فَلَوْ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ مَنْزِلَيْنِ فَلَا قَطْعَ وَالْبُيُوتُ مِنْ دَارٍ وَاحِدَةٍ بِمَنْزِلَةِ بَيْتٍ وَاحِدٍ، حَتَّى لَوْ سَرَقَ مِنْ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ فِي دَارِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِرْهَمًا قُطِعَ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الدَّارُ عَظِيمَةً فِيهَا حُجَرٌ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ بَحْرٌ، وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ الْحُجَرِ (قَوْلُهُ لَا شُبْهَةَ وَلَا تَأْوِيلَ فِيهِ) أَخْرَجَ بِالْأَوَّلِ السَّرِقَةَ مِنْ دَارِ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ وَبِالثَّانِي سَرِقَةَ مُصْحَفٍ لِتَأْوِيلِ أَخْذِهِ لِلْقِرَاءَةِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ إلَخْ) لَا يَصِحُّ كَوْنُ ذَلِكَ جُزْءًا مِنْ التَّعْرِيفِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلْقَطْعِ كَمَا أَفَادَهُ بِقَوْلِهِ فَيُقْطَعُ إنْ أَقَرَّ مَرَّةً أَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الثَّانِي) أَيْ أَبُو يُوسُفَ، وَكَانَ أَوَّلًا يَقُولُ لَا يُقْطَعُ إلَّا إذَا أَقَرَّ مَرَّتَيْنِ فِي مَجْلِسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ) مُقْتَضَى صَنِيعِهِ أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ فِي حَقِّ الْقَطْعِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَدٌّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَالْإِنْكَارُ

<<  <  ج: ص:  >  >>