(وَلَا قَطْعَ بِنُكُولٍ وَإِقْرَارِ مَوْلًى عَلَى عَبْدِهِ بِهَا وَإِنْ لَزِمَ الْمَالُ) لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ (وَ) السَّارِقُ (لَا يُفْتَى بِعُقُوبَتِهِ) لِأَنَّهُ جَوْرٌ تَجْنِيسٌ، وَعَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ لِلْوَاقِعَاتِ مُعَلِّلًا بِأَنَّهُ خِلَافُ الشَّرْعِ، وَمِثْلُهُ فِي السِّرَاجِيَّةِ. وَنُقِلَ عَنْ التَّجْنِيسِ عَنْ عِصَامٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سَارِقٍ يُنْكِرُ؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، فَقَالَ الْأَمِيرُ سَارِقٌ وَيَمِينٌ؟ هَاتُوا بِالسَّوْطِ،، فَمَا ضَرَبُوهُ عَشَرَةً حَتَّى أَقَرَّ فَأَتَى بِالسَّرِقَةِ فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا رَأَيْت جَوْرًا أَشْبَهَ بِالْعَدْلِ مِنْ هَذَا. وَفِي إكْرَاهِ الْبَزَّازِيَّةِ: مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَفْتَى بِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهَا مُكْرَهًا. وَعَنْ الْحَسَنِ: يَحِلُّ ضَرْبُهُ حَتَّى يُقِرَّ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْعَظْمُ. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ الْعِزِّ الْحَنَفِيِّ: صَحَّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمَرَ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ بِتَعْذِيبِ بَعْضِ الْمُعَاهَدِينَ حِينَ كَتَمَ كَنْزَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ فَفَعَلَ فَدَلَّهُمْ عَلَى الْمَالِ» قَالَ وَهُوَ الَّذِي يَسَعُ النَّاسَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَإِلَّا فَالشَّهَادَةُ عَلَى السَّرِقَاتِ أَنْدَرُ
ــ
[رد المحتار]
لَا يُقْطَعُ، فَكَذَا إذَا هَرَبَ بَلْ يَضْمَنُ الْمَالَ: وَأَمَّا لَوْ هَرَبَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ وَلَوْ قَبْلَ الْحُكْمِ، فَإِنْ أُخِذَ فِي فَوْرِهِ قُطِعَ وَإِلَّا لَا، فَإِنَّ حَدَّ السَّرِقَةِ لَا يُقَامُ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ التَّقَادُمِ، وَالْعَارِضُ فِي الْحُدُودِ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ كَالْعَارِضِ قَبْلَ الْقَضَاءِ اهـ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلظَّهِيرِيَّةِ، فَإِنْ فِي فَوْرِهِ لَا يُقْطَعُ صَوَابُهُ وَلَوْ فِي فَوْرِهِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ بَعْدَ التَّقَادُمِ لَا يُقْطَعُ أَيْضًا.
وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ قَيَّدَ بِالْفَوْرِيَّةِ لِيَصِحَّ قَوْلُهُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ التَّقَادُمِ لَا يُخَالِفُ الْإِقْرَارُ الشَّهَادَةَ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ. عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُقْطَعُ بِالْهَرَبِ فِي فَوْرِ الْإِقْرَارِ لَا يُقْطَعُ بَعْدَ التَّقَادُمِ فِيهِ بِالْأَوْلَى كَمَا أَفَادَهُ ح لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِي الْعِبَارَةِ مِنْ الْإِيهَامِ، وَالْعِبَارَةُ الْمُحَرَّرَةُ عِبَارَةُ كَافِي الْحَاكِمِ، وَهِيَ: وَإِذَا أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ هَرَبَ لَمْ يُطْلَبْ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِشُهُودٍ طُلِبَ مَادَامَ فِي فَوْرِ ذَلِكَ
(قَوْلُهُ وَلَا قَطْعَ بِنُكُولٍ) أَيْ نُكُولِ السَّارِقِ عَنْ الْحَلِفِ عِنْدَ الْقَاضِي (قَوْلُهُ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ) عِلَّةٌ لِلُزُومِ الْمَالِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ مَعْنًى، وَإِقْرَارُ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدٍ يُوجِبُ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ عَلَى نَفْسِهِ أَفَادَهُ ط (قَوْلُهُ وَنَقَلَ) أَيْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَهُوَ تَأْيِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ حَيْثُ سَمَّاهُ جَوْرًا شَبِيهًا بِالْعَدْلِ.
مَطْلَبٌ تَرْجَمَةُ عِصَامِ بْنِ يُوسُفَ (قَوْلُهُ عَنْ عِصَامٍ) هُوَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَمِنْ أَقْرَانِ مُحَمَّدِ بْنِ سِمَاعَةَ وَابْنِ رُسْتُمَ وَأَبِي حَفْصٍ الْبُخَارِيِّ (قَوْلُهُ أَنَّهُ سُئِلَ) أَيْ سَأَلَهُ حِبَّانُ بْنُ جَبَلَةَ أَمِيرُ بَلْخٍ رَمْلِيٌّ (قَوْلُهُ سَارِقٌ وَيَمِينٌ) تَعَجُّبٌ مِنْ طَلَبِ الْيَمِينِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُبَالِي لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَا هُوَ أَشَدُّ جِنَايَةً لَكِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذَا (قَوْلُهُ فَقَالَ) أَيْ عِصَامٌ (قَوْلُهُ مَا رَأَيْت جَوْرًا إلَخْ) سَمَّاهُ جَوْرًا بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَإِلَّا فَهُوَ عَدْلٌ حَيْثُ تَوَصَّلَ بِهِ إلَى إظْهَارِ الْحَقِّ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ لِلْقَاضِي تَعْزِيرَ الْمُتَّهَمِ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهُ (قَوْلُهُ بِصِحَّةِ إقْرَارِهِ بِهَا مُكْرَهًا) أَيْ فِي حَقِّ الضَّمَانِ لَا فِي حَقِّ الْقَطْعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ وَعَنْ الْحَسَنِ) هُوَ ابْنُ زِيَادٍ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ يَحِلُّ ضَرْبُهُ إلَخْ) لَمْ يُصَرِّحْ الْحَسَنُ بِهِ بَلْ هُوَ مَفْهُومُ كَلَامِهِ.
مَطْلَبٌ فِي جَوَازِ ضَرْبِ السَّارِقِ حَتَّى يُقِرَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَسُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: أَيَحِلُّ ضَرْبُ السَّارِقِ حَتَّى يُقِرَّ؟ قَالَ: مَا لَمْ يَقْطَعْ اللَّحْمَ لَا يَتَبَيَّنُ الْعَظْمُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ، وَهُوَ ضَرْبُ مَثَلٍ: أَيْ مَا لَوْ لَمْ يُعَاقَبْ لَا تَظْهَرُ السَّرِقَةُ، فَفِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ سَقَطٌ مِنْ الْكَاتِبِ أَوْ مِنْ قَلَمِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى ذَكَرَ عِبَارَةَ الْحَسَنِ عَلَى وَجْهِهَا فَلَمْ يَكُنْ مَا هُنَا تَصَرُّفًا مِنْهُ بِسُوءِ فَهْمِهِ إذْ لَمْ نَعْهَدْ هَذَا الشَّارِحَ الْفَاضِلَ وَصَلَ فِي الْبَلَادَةِ إلَى مَا زَعَمَهُ مَنْ هُوَ مُولَعٌ بِالِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ عَنْ ابْنِ الْعِزِّ) أَيْ فِي كِتَابِهِ التَّنْبِيهِ عَلَى مُشْكِلَاتِ الْهِدَايَةِ، حَيْثُ قَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي الْمُتَّهَمِ بِسَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا أَنْ يُنْظَرَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالْبِرِّ لَمْ تَجُزْ مُطَالَبَتُهُ وَلَا عُقُوبَتُهُ، وَهَلْ يُحَلَّفُ؟ قَوْلَانِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute