للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قَضَى بِالْقَطْعِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَقَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ هَذَا مَتَاعُهُ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي) وَإِنَّمَا كُنْت أُوِدَعْتُهُ (أَوْ قَالَ شَهِدَ شُهُودِي بِزُورٍ أَوْ أَقَرَّ هُوَ بِبَاطِلٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَا قَطْعَ) وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ كَيْ لَا يُقِرَّ بِالسَّرِقَةِ (كَمَا) لَا قَطْعَ (لَوْ شَهِدَ كَافِرَانِ عَلَى كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ بِهَا فِي حَقِّهِمَا) أَيْ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ ظَهِيرِيَّةٌ: (تَشَارَكَ جَمْعٌ وَأَصَابَ كُلًّا قَدْرَ نِصَابٍ قُطِعُوا وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ بَعْضُهُمْ) اسْتِحْسَانًا سَدًّا لِبَابِ الْفَسَادِ، وَلَوْ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ مَعْتُوهٌ أَوْ مَحْرَمٌ لَمْ يُقْطَعْ أَحَدٌ. (وَشُرِطَ لِلْقَطْعِ حُضُورُ شَاهِدَيْهَا وَقْتَهُ) وَقْتَ الْقَطْعِ (كَحُضُورِ الْمُدَّعِي) بِنَفْسِهِ (حَتَّى لَوْ غَابَا أَوْ مَاتَا لَا قَطْعَ) وَهَذَا فِي كُلِّ حَدٍّ سِوَى رَجْمٍ وَقَوَدٍ بَحْرٌ.

ــ

[رد المحتار]

فَلِلْمَسْعِيِّ بِهِ أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ الْخُسْرَانِ مِنْ تَرِكَتِهِ هُوَ الصَّحِيحُ جَوَاهِرُ الْفَتَاوَى. وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْمَشْكُوُّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِهِ مِنْ سَطْحٍ لِخَوْفِهِ غَرِمَ الشَّاكِي دِيَتَهُ، لَا لَوْ مَاتَ بِالضَّرْبِ لِنُدُورِهِ وَقَدْ مَرَّ فِي بَابِ السَّرِقَةِ. اهـ. قُلْت أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ السَّرِقَةِ مُخَالِفٌ لِمَا عَزَاهُ إلَيْهَا.

مَطْلَبٌ فِي ضَمَانِ السَّاعِي ثُمَّ حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ ضَمَانِ السَّاعِي أَنَّهُ لَوْ سَعَى بِحَقٍّ لَا يَضْمَنُ وَلَوْ بِلَا حَقٍّ، فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ يُغَرِّمُ بِمِثْلِ هَذِهِ السِّعَايَةِ أَلْبَتَّةَ يَضْمَنُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُغَرِّمُ وَقَدْ لَا يُغَرِّمُ لَا يَضْمَنُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ مِنْ ضَمَانِ السَّاعِي بِغَيْرِ حَقٍّ مُطْلَقًا وَيُعَزَّرُ، بَلْ قَدَّمْنَا إبَاحَةَ قَتْلِهِ، بَلْ أَفْتَى بَعْضُ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ بِكُفْرِهِ

(قَوْلُهُ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي) الْمُنَاسِبُ عَطْفُهُ بِأَوْ؛ لِأَنَّهُ مَسْأَلَةٌ ثَانِيَةٌ. فَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: أَوْ قَالَ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنِّي وَإِنَّمَا كُنْت أُوْدِعْتُهُ (قَوْلُهُ فَلَا قَطْعَ) أَمَّا لَوْ قَالَ عَفَوْت عَنْهُ لَمْ يَبْطُلْ الْقَطْعُ كَافِي الْحَاكِمِ: أَيْ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ مَحْضُ حَقِّهِ تَعَالَى فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ ثُبُوتِ حَقِّ الْعَبْدِ، وَقَدْ بَطَلَ بِإِقْرَارِهِ فَبَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَنُدِبَ تَلْقِينُهُ) الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ إنْ أَقَرَّ بِهَا: أَيْ نُدِبَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَهُ كَافِي لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلِصٍّ قَدْ اعْتَرَفَ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهُ مَتَاعٌ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا إخَالُكَ سَرَقْت، قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعَادَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فِي حَقِّهِمَا) مُتَعَلِّقٌ بِلَا قَطْعَ ح: أَيْ لَا قَطْعَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَلَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهَا سَرِقَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمَّا بَطَلَتْ الشَّهَادَةُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بَطَلَتْ فِي حَقِّ الْكَافِرِ. وَأَمَّا الضَّمَانُ فَلَا شَكَّ فِي انْتِفَائِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ، وَهَلْ يَضْمَنُ الْكَافِرُ حِصَّتَهُ مِنْهَا؟ الظَّاهِرُ نَعَمْ.

قُلْت: وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ: لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى رَجُلَيْنِ بِسَرِقَةٍ وَأَحَدُ السَّارِقَيْنِ غَائِبٌ قُطِعَ الْحَاضِرُ، فَإِنْ جَاءَ الْغَائِبُ لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى تُعَادَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْبَيِّنَةُ أَوْ غَيْرُهَا فَيُقْطَعَ اهـ فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ، بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّ الْمَانِعَ مِنْ قَبُولِهَا الْغَيْبَةُ لَا عَدَمُ الْأَهْلِيَّةِ (قَوْلُهُ تَشَارَكَ جَمْعٌ) أَيْ فِي دُخُولِ الْحِرْزِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَإِنَّمَا وَضَعَهَا فِي دُخُولِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ بَعْضُهُمْ لَكِنَّهُمْ اشْتَرَكُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِي فِعْلِ السَّرِقَةِ لَا يُقْطَعُ إلَّا الدَّاخِلُ إنْ عُرِفَ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ عُزِّرُوا كُلُّهُمْ وَأُبِّدَ حَبْسُهُمْ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُمْ اهـ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَأَصَابَ كُلًّا نِصَابٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَصَابَهُ أَقَلُّ لَمْ يُقْطَعْ، بَلْ يَضْمَنُ مَا أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ جَوْهَرَةٌ (قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقْطَعَ الْحَامِلُ وَحْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَحْرَمٌ) أَيْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بَحْرٌ (قَوْلُهُ لَمْ يُقْطَعْ أَحَدٌ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا تَوَلَّى الْأَخْذَ الْكِبَارُ الْعُقَلَاءُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ (قَوْلُهُ لَا قَطْعَ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُهُ الْأَخِيرُ يُقْطَعُ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ سِوَى رَجْمٍ) فِي بَعْضِ النُّسَخِ

<<  <  ج: ص:  >  >>