للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا رَجَعَ عَنْ قَوْلٍ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ بِهِ: (وَ) حُكْمُ (عَرَقٍ كَسُؤْرٍ) فَعَرَقُ الْحِمَارِ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ صَارَ مُشْكِلًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى. وَفِي الْمُحِيطِ: عَرَقُ الْجَلَّالَةِ عَفْوٌ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ. وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى الظَّاهِرِ.

ــ

[رد المحتار]

وَمَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا أَلْقَى فِي الْمَاءِ تُمَيْرَاتٍ حَتَّى صَارَ حُلْوًا رَقِيقًا غَيْرَ مَطْبُوخٍ وَلَا مُسَكَّرٍ، فَإِنْ لَمْ يُحَلَّ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ بِهِ، أَوْ أَسْكَرَ فَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ، أَوْ طُبِخَ فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَرَجَّحَ غَيْرُهُ الْجَوَازَ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ الضَّابِطِ أَيْ الْمَذْكُورِ فِي الْمِيَاهِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ إلَخْ) عِلَّةٌ لِكَوْنِ مَا ذَكَرَ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُفْتَى بِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَحُكْمُ عَرَقٍ كَسُؤْرٍ) أَيْ الْعَرَقُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ حُكْمُهُ كَسُؤْرِهِ لِتَوَلُّدِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ اللَّحْمِ كَذَا قَالُوا: وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْمُتَوَلِّدَ هُوَ اللُّعَابُ أَيْ لَا السُّؤْرُ، لَكِنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لِلْمُجَاوَرَةِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ فَعَرَقُ الْحِمَارِ إلَخْ) أَفْرَدَهُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَصَاحِبِ الْمُنْيَةِ اسْتَثْنَاهُ فَقَالَ: إلَّا أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ طَاهِرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ: نَجِسٌ إلَّا أَنَّهُ جُعِلَ عَفْوًا فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ: وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي الطَّهَارَةِ. فَإِذَا قِيلَ إنَّ سُؤْرَ الْحِمَارِ مَشْكُوكٌ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَعَرَقُ كُلِّ شَيْءٍ كَسُؤْرِهِ صَحَّ أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ طَاهِرٌ: أَيْ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَكِبَ الْحِمَارَ مُعْرَوْرِيًا فِي حَرِّ الْحِجَازِ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَعْرَقُ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَسَلَ بَدَنَهُ أَوْ ثَوْبَهُ مِنْهُ. اهـ وَمُعْرَوْرِيًا حَالٌ مِنْ الْفَاعِلِ وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَفْعُولِ لَقِيلَ مُعْرَوْرًى كَذَا فِي الْمُغْرِبِ. قُلْت: وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - رَكِبَ وَهُوَ عُرْيَانٌ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ النَّهْرِ وَغَيْرِهِ، إذْ لَا يَخْفَى بُعْدُهُ، بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ رَكِبَ حَالَ كَوْنِهِ مُعْرَوْرِيًا الْحِمَارَ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ اعْرَوْرَى الْمُتَعَدِّي حُذِفَ مَفْعُولُهُ لِلْعِلْمِ بِهِ، يُقَالُ اعْرَوْرَى الْفَرَسَ: رَكِبَهُ عُرْيًا فَتَنَبَّهْ

(قَوْلُهُ صَارَ مُشْكِلًا) يَعْنِي صَارَ الْمَاءُ بِهِ مُشْكِلًا: أَيْ فِي الطَّهُورِيَّةِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ كَمَا فِي لُعَابِهِ، وَيَجُوزُ شُرْبُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَمَا فِي السِّرَاجِ (قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ إلَخْ) هَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْقُهُسْتَانِيِّ وَنَصُّهُ: وَفِي الزُّبْدَةِ أَنَّ عَرَقَ الْجَلَّالَةِ كَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَغَيْرِهِمَا نَجِسٌ. وَفِي قَاضِي خَانْ أَنَّ عَرَقَهُمَا طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ نَجِسٌ لَكِنَّهُ عَفْوٌ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَرَقَ الْحِمَارِ نَجَاسَةٌ غَلِيظَةٌ، وَعَنْهُ أَنَّهُ خَفِيفَةٌ. اهـ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي عَرَقِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ عَنْ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ أَنَّهُ طَاهِرٌ، وَهُوَ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ إنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهِيَ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ. وَنَجِسٌ مُغَلَّظٌ. وَنَجِسٌ مُخَفَّفٌ، وَكَلَامُ الْحَلْوَانِيِّ مُحْتَمِلٌ لِلْأَخِيرَتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ حُكْمَ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ، وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُنْيَةِ تَعْلِيلَهُ بِالضَّرُورَةِ: أَيْ ضَرُورَةِ رُكُوبِهِ.

إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْكَلَامَ فِي عَرَقِ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ لَا فِي الْجَلَّالَةِ، وَأَنَّ ضَمِيرَ عَرَقِهِمَا فِي عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ قَاضِي خَانْ ضَمِيرٌ مُثَنًّى رَاجِعٌ إلَى الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ نُسْخَةَ الْقُهُسْتَانِيِّ الَّتِي وَقَعَتْ لِلشَّارِحِ بِضَمِيرِ الْمُفْرَدِ لَا الْمُثَنَّى فَأَرْجَعَ الضَّمِيرَ إلَى الْجَلَّالَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَدْ رَاجَعْتُ عِبَارَةَ قَاضِي خَانْ فَرَأَيْتُهَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ الْعَائِدِ إلَى مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ مِنْ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَلَمْ أَرَ فِيهَا ذِكْرَ الْجَلَّالَةِ أَصْلًا، وَكَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ لَيْسَ فِي الْجَلَّالَةِ بَلْ فِي الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمُنْيَةِ مِنْ عِبَارَةِ الْحَلْوَانِيِّ، وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ فِي عِبَارَةِ الْقُهُسْتَانِيِّ بَعْدَ ضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَحْكَامَ الْجَلَّالَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَإِبِلٍ وَبَقَرٍ جَلَّالَةٍ، وَنَقَلْنَا التَّصْرِيحَ عَنْ الْبَقَّالِيِّ بِأَنَّ عَرَقَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>