للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ) أَيْ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ نِصَابًا. قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ قَتْلٌ فَلَا حَدَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ وَهِيَ مِنْ الْغَرَائِبِ (أَوْ قَتَلَ عَمْدًا) وَأَخَذَ الْمَالَ (فَتَابَ) قَبْلَ مَسْكِهِ، وَمِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِ رَدُّ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَرُدَّهُ قِيلَ لَا حَدَّ (أَوْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) أَوْ أَخْرَسُ (أَوْ) كَانَ (ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ) أَحَدِ (الْمَارَّةِ) أَوْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ وَإِنْ جَرَحَ فَقَطْ) جَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ الْآتِي فَلَا حَدَّ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ، وَهَذَا شُرُوعٌ فِي سِتِّ مَسَائِلَ لَا حَدَّ فِيهَا وَحَيْثُ سَقَطَ الْحَدُّ يُؤَاخَذُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ مَالٍ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ وَلَمْ يَأْخُذْ نِصَابًا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا أَصْلًا أَوْ أَخَذَ مَا دُونَ النِّصَابِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْأَخْذُ الْمُوجِبُ لِلْحَدِّ هُوَ النِّصَابُ كَانَ مَا دُونَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَدَمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يُصِيبَ كُلَّ وَاحِدٍ نِصَابٌ أَيْ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَمِثْلُ مَا دُونَ النِّصَابِ الْأَشْيَاءُ الَّتِي لَا قَطْعَ فِيهَا كَالتَّافِهِ، وَمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ (قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَعَ هَذَا الْأَخْذِ) أَيْ أَخْذِ مَا دُونَ النِّصَابِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَأْخُذْ نِصَابًا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الْمَالُ) أَيْ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَهَذَا جَوَابٌ عَنْ طَعْنِ عِيسَى بْنِ أَبَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَتْلَ وَحْدَهُ يُوجِبُ الْحَدَّ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ مَعَ الزِّيَادَةِ؟ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَجَوَابُهُ أَنَّ قَصْدَهُمْ الْمَالُ غَالِبًا فَيُنْظَرُ إلَيْهِ لَا غَيْرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اقْتَصَرُوا عَلَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ مَقْصِدَهُمْ الْقَتْلُ دُونَ الْمَالِ فَيُحَدُّونَ، فَعُدَّتْ هَذِهِ مِنْ الْغَرَائِبِ اهـ.

قُلْت: وَبَيَانُهُ أَنَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ سُمِّيَ سَرِقَةً كُبْرَى؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقُطَّاعِ غَالِبًا أَخْذُ الْمَالِ، وَأَمَّا الْقَتْلُ فَإِنَّمَا هُوَ وَسِيلَةٌ إلَى أَخْذِ الْمَالِ، لَكِنْ إذَا أَخَافُوا فَقَطْ أَوْ قَتَلُوا فَقَدْ رَتَّبَ عَلَيْهِ الشَّرْعُ حَدًّا فَيُتَّبَعُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْمَقْصُودُ دُونَ الْمَالِ، أَمَّا إذَا وُجِدَ مَعَ ذَلِكَ أَخْذُ مَالٍ ظَهَرَ أَنَّ مَقْصُودَهُمْ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلُ وَهُوَ الْمَالُ فَحِينَئِذٍ يُنْظَرُ إلَيْهِ، فَإِنْ بَلَغَ نِصَابًا لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَجَبَ الْحَدُّ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَإِلَّا فَلَا حَدَّ لِعَدَمِهِ، وَحَيْثُ لَا حَدَّ وَجَبَ مُوجَبُ الْقَتْلِ مِنْ قِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ وَوَجَبَ ضَمَانُ الْمَالِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَ عَمْدًا) قَيَّدَ بِالْقَتْلِ لِيُعْلَمَ حُكْمَ أَخْذِ الْمَالِ بِالْأَوْلَى بَحْرٌ (قَوْلُهُ وَمِنْ تَمَامِ تَوْبَتِهِ رَدُّ الْمَالِ إلَخْ) أَيْ لِيَنْقَطِعَ بِهِ خُصُومَةُ صَاحِبِهِ، وَلَوْ تَابَ وَلَمْ يَرُدَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ. وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقِيلَ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَقِيلَ يَسْقُطُ أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تُسْقِطُ الْحَدَّ فِي السَّرِقَةِ الْكُبْرَى بِخُصُوصِهَا لِلِاسْتِثْنَاءِ فِي النَّصِّ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهَا عَلَى بَاقِي الْحُدُودِ مَعَ مُعَارَضَةِ النَّصِّ فَتْحٌ. وَظَاهِرُهُ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ الثَّانِي، فَقَوْلُ الشَّارِحِ فَقِيلَ لَا حَدَّ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ ضَعْفَهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ عِنْدَ عَدَمِ التَّقَادُمِ لِمَا فِي النَّهْرِ عَنْ السِّرَاجِ: لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ وَأَخَذَ الْمَالَ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَأَقَامَ فِي أَهْلِهِ زَمَانًا ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِ دُرِئَ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى مَعَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ. اهـ. قَالَ فِي النَّهْرِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مُجَرَّدَ التَّرْكِ لَيْسَ تَوْبَةً بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَظْهَرَ عَلَيْهِ سِيمَاهَا الَّتِي لَا تَخْفَى (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ) أَيْ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَامَتْ بِالْكُلِّ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِعْلُ بَعْضِهِمْ مُوجِبًا كَانَ فِعْلُ الْبَاقِينَ بَعْضَ الْعِلَّةِ، وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ كَالْعَامِدِ وَالْمُخْطِئِ إذَا اشْتَرَكَا فِي الْقَتْلِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ: وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُحَدُّ الْبَاقُونَ لَوْ بَاشَرَ الْعُقَلَاءُ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ أَخْرَسُ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ زَيْلَعِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ) كَانَ تَامَّةٌ وَذُو فَاعِلٌ وَالْمُرَادُ بِهِ أَحَدُ الْقُطَّاعِ، وَقَوْلُهُ مِنْ أَحَدِ الْمَارَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْرَمٍ وَالْعِلَّةُ فِيهِ كَمَا فِيمَا قَبْلَهُ، وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِمْ أَوْ لَا، لَكِنْ لَمْ يَأْخُذُوا إلَّا مِنْ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَمَا إذَا أَخَذُوا مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُحَدُّونِ فِي الْأَصَحِّ كَمَا فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ.

[تَنْبِيهٌ] لَوْ كَانَ فِي الْقَافِلَةِ مُسْتَأْمَنٌ لَا يَمْتَنِعُ الْحَدُّ مَعَ أَنَّ الْقَطْعَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ يَمْنَعُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْفَرْقُ كَمَا فِي الْفَتْحِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ الْمُسْتَأْمَنِ إنَّمَا كَانَ لِخَلَلٍ فِي عِصْمَةِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَهُوَ أَمْرٌ يَخُصُّهُ، أَمَّا هُنَا فَهُوَ لِخَلَلٍ فِي الْحِرْزِ وَالْقَافِلَةُ حِرْزٌ وَاحِدٌ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْقَرِيبَ سَرَقَ مَالَ الْقَرِيبِ وَغَيْرَ الْقَرِيبِ مِنْ بَيْتِ الْقَرِيبِ (قَوْلُهُ أَوْ شَرِيكٌ مُفَاوِضٌ)

<<  <  ج: ص:  >  >>