أَوْرَدَهُ بَعْدَ الْحُدُودِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَوَجْهُ التَّرَقِّي غَيْرُ خَفِيٍّ.
ــ
[رد المحتار]
وَقَدْ رَجَعَ مِنْ غَزَاةٍ رَجَعْنَا مِنْ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ» وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَّرَهُ فِي الْفَضِيلَةِ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى وَقْتِهَا فِي حَدِيثِ «ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ عَلَى مِيقَاتِهَا. قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قُلْت: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَجَاءَ تَأْخِيرُهُ عَنْ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ إيمَانٌ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ. قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قِيلَ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ حَجٌّ مَبْرُورٌ» وَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلٌّ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مُرَادَةً بِلَفْظِ الْإِيمَانِ مِنْ عُمُومِ الْمَجَازِ. وَلَا تَرَدُّدَ فِي أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى أَدَاءِ فَرَائِضِ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَتَتَكَرَّرُ وَلِأَنَّ الْجِهَادَ لَيْسَ إلَّا لِلْإِيمَانِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ، فَكَانَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ وَالصَّلَاةُ حَسَنَةٌ لِعَيْنِهَا وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ مَعَ مَا وَرَدَ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ الْمَذْكُورِ فِي الْفَتْحِ.
مَطْلَبٌ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى فَرَائِضِ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا أَفْضَلُ مِنْ الْجِهَادِ قُلْت: وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ حَيْثُ قَالَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْجِهَادَ فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ الْجِهَادِ إلَّا الْفَرَائِضَ» يُرِيدُ بِهِ الْفَرَائِضَ الَّتِي تَثْبُتُ فَرِيضَتُهَا عَيْنًا وَهِيَ الْأَرْكَانُ الْخَمْسَةُ؛ لِأَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ آكَدُ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ آكَدِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ، فَلِهَذَا اسْتَثْنَى الْفَرَائِضَ.
مَطْلَبٌ فِي تَكْفِيرِ الشَّهَادَةِ مَظَالِمَ الْعِبَادِ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ فِي أَنَّ الشَّهِيدَ تُكَفَّرُ خَطَايَاهُ إلَّا الدَّيْنَ وَقَالَ إذَا كَانَ مُحْتَسِبًا صَابِرًا مُقْبِلًا قَالَ: وَفِيهِ بَيَانُ شِدَّةِ الْأَمْرِ فِي مَظَالِمِ الْعِبَادِ، وَقِيلَ كَانَ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِدَانَةِ لِقِلَّةِ ذَاتِ يَدِهِمْ وَعَجْزِهِمْ عَنْ قَضَائِهِ، وَلِهَذَا كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى مَدْيُونٍ لَمْ يُخَلِّفْ مَالًا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ عِيَالًا فَهُوَ عَلَيَّ» وَوَرَدَ نَظِيرُهُ فِي الْحَجِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا لِأُمَّتِهِ بِعَرَفَاتٍ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ إلَّا الْمَظَالِمَ ثُمَّ دَعَا بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ حَتَّى الْمَظَالِمِ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُخْبِرُهُ أَنَّهُ تَعَالَى يَقْضِي عَنْ بَعْضِهِمْ حَقَّ الْبَعْضِ» فَلَا يَبْعُدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّهِيدِ الْمَدْيُونِ.
مَطْلَبٌ فِيمَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ مَعَ الْغَنِيمَةِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَجُلٌ يُرِيدُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ يُرِيدُ عَرَضَ الدُّنْيَا، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا أَجْرَ لَهُ» الْحَدِيثَ. قَالَ: ثُمَّ تَأْوِيلُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرَى أَنَّهُ يُرِيدُ الْجِهَادَ وَمُرَادُهُ فِي الْحَقِيقَةِ الْمَالُ، فَهَذَا كَانَ حَالُ الْمُنَافِقِينَ وَلَا أَجْرَ لَهُ، أَوْ يَكُونَ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ الْمَالَ وَفِي مِثْلِهِ «قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلَّذِي اُسْتُؤْجِرَ عَلَى الْجِهَادِ بِدِينَارَيْنِ إنَّمَا لَك دِينَارَاكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» وَأَمَّا إذَا كَانَ مُعْظَمُ مَقْصُودِهِ الْجِهَادَ، وَيَرْغَبُ مَعَهُ فِي الْغَنِيمَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْله تَعَالَى - {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: ١٩٨]- يَعْنِي التِّجَارَةَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ فَكَمَا أَنَّهُ لَا يُحْرَمُ ثَوَابَ الْحَجِّ فَكَذَا الْجِهَادُ (قَوْلُهُ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ) وَهُوَ إخْلَاءُ الْأَرْضِ مِنْ الْفَسَادِ ح (قَوْلُهُ وَوَجْهُ التَّرَقِّي) أَيْ مِنْ الْحُدُودِ إلَى الْجِهَادِ (قَوْلُهُ غَيْرُ خَفِيٍّ) ؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute