للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ لُغَةً: مَصْدَرُ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَشَرْعًا: الدُّعَاءُ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَقِتَالُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ شُمُنِّيٌّ. وَعَرَّفَهُ ابْنُ الْكَمَالِ بِأَنَّهُ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُبَاشَرَةً أَوْ مُعَاوَنَةً بِمَالٍ، أَوْ رَأْيٍ أَوْ تَكْثِيرِ سَوَادٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. اهـ. .

وَمِنْ تَوَابِعِهِ: الرِّبَاطُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي مَكَان لَيْسَ وَرَاءَهُ إسْلَامٌ هُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّ " أَنَّ صَلَاةَ الْمُرَابِطِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَدِرْهَمَهُ بِسَبْعِمِائَةٍ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَرِزْقُهُ

ــ

[رد المحتار]

إخْلَاءٌ عَنْ الْفِسْقِ وَالْجِهَادَ إخْلَاءٌ عَنْ الْكُفْرِ ح (قَوْلُهُ مَصْدَرُ جَاهَدَ) أَيْ بَذَلَ وُسْعَهُ وَهَذَا عَامٌّ يَشْمَلُ الْمُجَاهِدَ بِكُلِّ أَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ، وَنَهْيٍ عَنْ مُنْكَرٍ ح.

قُلْت: فَلَمْ يَذْكُرْ الشَّارِحُ مَعْنَاهُ لُغَةً بَلْ بَيَّنَ تَصْرِيفَهُ (قَوْلُهُ وَقِتَالُ مَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ) أَيْ قِتَالُهُ مُبَاشَرَةً أَوْ لَا فَتَعْرِيفُ ابْنِ كَمَالٍ تَفْصِيلٌ لِإِجْمَالِ هَذَا ح (قَوْلُهُ فِي الْقِتَالِ) أَيْ فِي أَسْبَابِهِ وَأَنْوَاعِهِ مِنْ ضَرْبٍ وَهَدْمٍ وَحَرْقٍ وَقَطْعِ أَشْجَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ مُعَاوَنَةً إلَخْ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُمْ بِدَلِيلِ الْعَطْفِ ط (قَوْلُهُ أَوْ تَكْثِيرِ سَوَادٍ) السَّوَادُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ وَسَوَادُ الْمُسْلِمِينَ جَمَاعَتُهُمْ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَتَهْيِئَةِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ ط.

مَطْلَبٌ فِي الرِّبَاطِ وَفَضْلِهِ

(قَوْلُهُ وَمِنْ تَوَابِعِهِ الرِّبَاطُ إلَخْ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ: وَالْمُرَابَطَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ: عِبَارَةٌ عَنْ الْمَقَامِ فِي ثَغْرِ الْعَدُوِّ لِإِعْزَازِ الدِّينِ وَدَفْعِ شَرِّ الْمُشْرِكِينَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ مِنْ رَبَطَ الْخَيْلَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: ٦٠]- وَالْمُسْلِمُ يَرْبِطُ خَيْلَهُ حَيْثُ يَسْكُنُ مِنْ الثَّغْرِ لِيُرْهِبَ الْعَدُوَّ بِهِ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُهُ عَدُوُّهُ وَلِهَذَا سُمِّيَ مُرَابِطَةً اهـ وَاشْتَرَطَ الْإِمَامُ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْوَطَنِ وَنَظَرَ فِيهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ وَطَنَهُ وَيَنْوِي بِالْإِقَامَةِ فِيهِ دَفْعَ الْعَدُوِّ وَمِنْ ثَمَّ اخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ سُكْنَى الثُّغُورِ (قَوْلُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ) ؛ لِأَنَّ مَأْذُونَهُ لَوْ كَانَ رَابِطًا فَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ فِي بِلَادِهِمْ مُرَابِطُونَ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. قُلْت: لَكِنْ لَوْ كَانَ الثَّغْرُ الْمُقَابِلُ لِلْعَدُوِّ لَا تَحْصُلُ بِهِ كِفَايَةُ الدَّفْعِ إلَّا بِثَغْرٍ وَرَاءَهُ فَهُمَا رِبَاطٌ كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ وَصَحَّ إلَخْ) هَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْفَتْحِ حَدِيثًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ» زَادَ الطَّبَرَانِيُّ «وَبُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدِ ثِقَاتٍ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ «مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أَمِنَ الْفَزَعَ الْأَكْبَرَ» وَلَفْظُ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَبَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ آمِنًا مِنْ الْفَزَعِ» وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «إنَّ صَلَاةَ الْمُرَابِطِ تَعْدِلُ خَمْسَمِائَةِ صَلَاةٍ وَنَفَقَتَهُ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِمِائَةِ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِهِ» . اهـ. (قَوْلُهُ «أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَرِزْقُهُ» ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَقَوْلُهُ: «أُجْرِيَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ» نَمَّى لَهُ عَمَلَهُ، وَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى - {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء: ١٠٠]- وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ» فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ أَيْضًا فِي كُلِّ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أَنَّهُ يُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ الْمُرَابِطِ إلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا فِيمَا يُجْرَى لَهُ مِنْ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ اسْتِدَامَةُ الرِّبَاطِ لَوْ بَقِيَ حَيًّا إلَى فَنَاءِ الدُّنْيَا وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>