للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمِنَ الْفَتَّانَ وَبُعِثَ شَهِيدًا آمِنًا مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ " وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ

(هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) كُلُّ مَا فُرِضَ لِغَيْرِهِ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ،

ــ

[رد المحتار]

قُلْت: وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِجْرَاءِ الْعَمَلِ دَوَامُ ثَوَابِ الرِّبَاطِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ «وَمَنْ قُتِلَ مُجَاهِدًا أَوْ مَاتَ مُرَابِطًا فَحَرَامٌ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ لَحْمَهُ وَدَمَهُ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الدُّنْيَا، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَحَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَزَوْجَتَهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ وَحَتَّى يَشْفَعَ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَيُجْرَى لَهُ أَجْرُ الرِّبَاطِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا يَكُونُ حَيًّا فِي قَبْرِهِ كَالشَّهِيدِ وَبِهِ يَظْهَرُ مَعْنَى إجْرَاءِ رِزْقِهِ عَلَيْهِ.

مَطْلَبٌ فِي بَيَانِ مَنْ يُجْرَى عَلَيْهِمْ الْأَجْرُ بَعْدَ الْمَوْتِ [تَنْبِيهٌ] قَالَ الشَّارِحُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى قَدْ نَظَمَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي الْحَنْبَلِيُّ الْمُحَدِّثُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مِمَّنْ يَجْرِي عَلَيْهِ الْأَجْرُ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ وَأَصْلِهَا لِلْحَافِظِ الْأَسْيُوطِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ:

إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ جَاءَ يَجْرِي ... عَلَيْهِ الْأَجْرُ عُدَّ ثَلَاثَ عَشَرَ

عُلُومٌ بَثَّهَا وَدُعَاءُ نَجْلٍ ... وَغَرْسُ النَّخْلِ وَالصَّدَقَاتُ تَجْرِي

وِرَاثَةُ مُصْحَفٍ وَرِبَاطُ ثَغْرٍ ... وَحَفْرُ الْبِئْرِ أَوْ إجْرَاءُ نَهْرِ

وَبَيْتٌ لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي ... إلَيْهِ أَوْ بِنَاءُ مَحَلِّ ذِكْرِ

وَتَعْلِيمٌ لِقُرْآنٍ كَرِيمٍ ... شَهِيدٌ لِلْقِتَالِ لِأَجْلِ بِرِّ

كَذَا مَنْ سَنَّ صَالِحَةً لِيُقْفَى ... فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيثَ بِشَعْرِ

مَطْلَبٌ الْمُرَابِطُ لَا يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ كَالشَّهِيدِ (قَوْلُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ) ضُبِطَ أَمِنَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ بِلَا وَاوٍ وَأُومِنَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِزِيَادَةِ وَاوٍ وَضُبِطَ الْفَتَّانُ بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ فَتَّانُ الْقَبْرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ «وَأَمِنَ مِنْ فَتَّانَيْ الْقَبْرِ» وَبِضَمِّهَا جَمْعُ فَاتِنٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَتَكُونُ لِلْجِنْسِ أَيْ كُلِّ ذِي فِتْنَةٍ.

قُلْت: أَوْ الْمُرَادُ فَتَّانُ الْقَبْرِ مِنْ إطْلَاقِ صِفَةِ الْجَمْعِ عَلَى اثْنَيْنِ أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ فَقَدْ وَرَدَ أَنَّ فَتَّانَ الْقَبْرِ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَقَدْ اسْتَدَلَّ غَيْرُ وَاحِدٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُرَابِطَ لَا يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ كَالشَّهِيدِ عَلْقَمِيٌّ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

(قَوْلُهُ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ) قَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَلَيْسَ بِتَطَوُّعٍ أَصْلًا هُوَ الصَّحِيحُ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ سَرِيَّةً إلَى دَارِ الْحَرْبِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، وَعَلَى الرَّعِيَّةِ إعَانَتُهُ إلَّا إذَا أَخَذَ الْخَرَاجَ فَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ كَانَ كُلُّ الْإِثْمِ عَلَيْهِ وَهَذَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُكَافِئُهُمْ وَإِلَّا فَلَا يُبَاحُ قِتَالُهُمْ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الزَّاهِدِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْبَعْضِ) هَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِئَلَّا يُنْتَقَضَ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ مَعَهُ مَفْرُوضٌ لِغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَعْضِ نَهْرٌ.

قُلْت: يَعْنِي أَنَّهُ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَهُوَ دَفْعُ الْعَدُوِّ فَمَنْ كَانَ بِحِذَاءِ الْعَدُوِّ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ مُدَافَعَتُهُ يُفْتَرَضُ عَيْنًا عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ، وَهَكَذَا كَمَا سَيَأْتِي، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا عِنْدَ هُجُومِ الْعَدُوِّ أَوْ عِنْدَ خَوْفِ هُجُومِهِ وَكُلًّا مِنَّا فِي فَرِيضَتِهِ ابْتِدَاءً، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فَرْضَ عَيْنٍ إلَّا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قِلَّةٌ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>