وَإِلَّا فَفَرْضُ عَيْنٍ وَلَعَلَّهُ قَدَّمَ الْكِفَايَةَ لِكَثْرَتِهِ (ابْتِدَاءً) وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُونَا وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: - {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: ١٩١] وَتَحْرِيمُهُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَمَنْسُوخٌ بِالْعُمُومَاتِ كَ {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] (إنْ قَامَ بِهِ الْبَعْضُ) وَلَوْ عَبِيدًا أَوْ نِسَاءً (سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِلَّا) يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ فِي زَمَنٍ مَا (أَثِمُوا بِتَرْكِهِ) أَيْ أَثِمَ الْكُلُّ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ،
ــ
[رد المحتار]
تَعَالَى بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ بِهِ بَعْضُهُمْ، فَحِينَئِذٍ يُفْتَرَضُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَيْنًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ قَدَّمَ الْكِفَايَةَ) أَيْ الَّذِي هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى فَرْضِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ (قَوْلُهُ لِكَثْرَتِهِ) أَيْ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ (قَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ ابْتِدَاءً، وَعَلَى عَدَمِ تَقْيِيدِهِ بِغَيْرِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِتَالِ نَزَلَ مُرَتَّبًا فَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَأْمُورًا أَوَّلًا بِالتَّبْلِيغِ، وَالْإِعْرَاضِ: - {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: ٩٤]- ثُمَّ بِالْمُجَادَلَةِ بِالْأَحْسَنِ - {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل: ١٢٥] الْآيَةَ - ثُمَّ أُذِنَ لَهُمْ بِالْقِتَالِ - {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} [الحج: ٣٩]- الْآيَةَ، ثُمَّ أُمِرُوا بِالْقِتَالِ إنْ قَاتَلُوهُمْ - {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: ١٩١]- ثُمَّ أُمِرُوا بِهِ بِشَرْطِ انْسِلَاخِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ - {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥]- ثُمَّ أُمِرُوا بِهِ مُطْلَقًا - {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: ١٩٠] الْآيَةَ - وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا سَرَخْسِيٌّ مُلَخَّصًا يَعْنِي فِي جَمِيعِ الْأَزْمَانِ وَالْأَمَاكِنِ، سِوَى الْحَرَمِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُبْتَدَأَ بِهِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ اهـ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: سِوَى الْحَرَمِ إذَا لَمْ يَدْخُلُوا فِيهِ لِلْقِتَالِ فَلَوْ دَخَلُوهُ لِلْقِتَالِ حَلَّ قِتَالُهُمْ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى - {حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} [البقرة: ١٩١] وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ (قَوْلُهُ إنْ قَامَ بِهِ الْبَعْضُ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَقَعَتْ مَوْقِعَ التَّفْسِيرِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ فَتْحٌ.
مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ مَا يَكْفِي فِيهِ إقَامَةُ الْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حُصُولُهُ فِي نَفْسِهِ مِنْ مَجْمُوعِ الْمُكَلَّفِينَ كَتَغْسِيلِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ وَرَدِّ السَّلَامِ بِخِلَافِ فَرْضِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ إقَامَتُهُ مِنْ كُلِّ عَيْنٍ أَيْ مِنْ كُلِّ ذَاتٍ مُكَلَّفَةٍ بِعَيْنِهَا، فَلَا يَكْفِي فِيهِ فِعْلُ الْبَعْضِ عَنْ الْبَاقِينَ، وَلِذَا كَانَ أَفْضَلَ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْعِنَايَةَ بِهِ أَكْثَرُ ثُمَّ إنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إنَّمَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْعَالِمِينَ بِهِ سَوَاءٌ كَانُوا كُلَّ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَمَغْرِبًا أَوْ بَعْضَهُمْ قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ. وَفِيهِ رَمْزٌ إلَى أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَالِمِينَ بِهِ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ، وَقِيلَ: إنَّهُ فَرْضٌ عَلَى بَعْضٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَالْأَوَّلُ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَى الْبَعْضِ، لَكَانَ الْآثِمُ بَعْضًا مُبْهَمًا، وَذَا غَيْرُ مَقْبُولٍ وَإِلَى أَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ بِحَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ، وَبِحَيْثُ يَجِبُ عَلَى بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَإِنْ ظَنَّ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ أَنَّ غَيْرَهُمْ قَدْ فَعَلُوا سَقَطَ الْوَاجِبُ عَنْ الْكُلِّ؛ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ أَنْ لَا يَقُومَ بِهِ أَحَدٌ وَإِنْ ظَنَّ كُلُّ طَائِفَةٍ أَنَّ غَيْرَهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا وَجَبَ عَلَى الْكُلِّ، وَإِنْ ظَنَّ الْبَعْضُ أَنَّ غَيْرَهُمْ أَتَى بِهِ وَظَنَّ آخَرُونَ أَنَّ غَيْرَهُمْ مَا أَتَى بِهِ وَجَبَ عَلَى الْآخَرِينَ دُونَ الْأَوَّلِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ هَهُنَا مَنُوطٌ بِظَنِّ الْمُكَلَّفِ؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْعِلْمِ بِفِعْلِ الْغَيْرِ وَعَدَمِهِ فِي أَمْثَالِ ذَلِكَ فِي حَيِّزِ التَّعَسُّرِ، فَالتَّكْلِيفُ بِهِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَتَمَامُهُ فِي مَنَاهِجِ الْعُقُولِ وَإِلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْجَاهِلِ بِهِ وَمَا فِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ لِلْفَاضِلِ التَّفْتَازَانِيُّ إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا فَمُخَالِفٌ لِلْمُتَدَاوَلَاتِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي زَمَنٍ مَا) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ فِي أَيِّ زَمَنٍ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ط لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكْفِي فِعْلُهُ فِي سَنَةٍ عَنْ سَنَةٍ أُخْرَى (قَوْلُهُ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ) أَيْ الْعَالِمِينَ بِهِ كَمَا مَرَّ وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ مُسَافِرِينَ فِي مَفَازَةٍ، فَإِنَّمَا يَجِبُ تَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ كِفَايَةً عَلَى بَاقِي رُفَقَائِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute