وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا
(وَلَا) يَحِلُّ لَنَا أَنْ (نُقَاتِلَ مَنْ لَا تَبْلُغُهُ الدَّعْوَةُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (إلَى الْإِسْلَامِ) وَهُوَ وَإِنْ اشْتَهَرَ فِي زَمَانِنَا شَرْقًا وَغَرْبًا لَكِنْ لَا شَكَّ أَنَّ فِي بِلَادِ اللَّهِ مَنْ لَا شُعُورَ لَهُ بِذَلِكَ بَقِيَ لَوْ بَلَغَهُ الْإِسْلَامُ لَا الْجِزْيَةُ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَا يَنْبَغِي قِتَالُهُمْ حَتَّى يَدْعُوَهُمْ إلَى الْجِزْيَةِ نَهْرٌ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ (وَنَدْعُو نَدْبًا مَنْ بَلَغَتْهُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ ضَرَرًا) وَلَوْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ كَأَنْ يَسْتَعِدُّونَ أَوْ يَتَحَصَّنُونَ فَلَا يَفْعَلُ فَتْحٌ (وَإِلَّا) يَقْبَلُوا الْجِزْيَةَ (نَسْتَعِينُ بِاَللَّهِ وَنُحَارِبُهُمْ بِنَصْبِ الْمَجَانِيقِ وَحَرْقِهِمْ وَغَرَقِهِمْ وَقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ) وَلَوْ مُثْمِرَةً وَإِفْسَادِ زُرُوعِهِمْ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ظَفَرُنَا فَيُكْرَهُ فَتْحٌ (وَرَمْيِهِمْ) بِنَبْلٍ وَنَحْوِهِ
(وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِبَعْضِنَا) وَلَوْ تَتَرَّسُوا بِنَبِيٍّ سُئِلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ (وَنَقْصِدُهُمْ) أَيْ الْكُفَّارَ (وَمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (لَا دِيَةَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ) ؛ لِأَنَّ الْفُرُوضَ لَا تُقْرَنُ بِالْغَرَامَاتِ
(وَلَوْ فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً وَفِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ لَا يَحِلُّ قَتْلُ أَحَدٍ مِنْهُمْ
ــ
[رد المحتار]
قَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ) أَيْ يُؤَيِّدُ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْإِنْصَافِ وَالِانْتِصَافِ، أَوْ يُؤَيِّدُ خُرُوجَ الْعِبَادَاتِ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ لَهُمْ حُكْمَنَا فِي الْعُقُوبَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ دُونَ الْإِيمَانِ وَالْعِبَادَاتِ فَلَا نُطَالِبُهُمْ بِهِمَا وَإِنْ عُوقِبُوا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرَةِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَحِلُّ لَنَا إلَخْ) ؛ لِأَنَّ بِالدَّعْوَةِ يَعْلَمُونَ أَنَّا مَا نُقَاتِلُهُمْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَسَبْيِ عِيَالِهِمْ فَرُبَّمَا يُجِيبُونَ إلَى الْمَقْصُودِ بِلَا قِتَالٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِعْلَامِ فَتْحٌ فَلَوْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمَ لِلنَّهْيِ وَلَا غَرَامَةَ لِعَدَمِ الْعَاصِمِ وَهُوَ الدِّينُ أَوْ الْإِحْرَازُ بِالدَّارِ، فَصَارَ كَقَتْلِ النِّسْوَانِ وَالصِّبْيَانِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ مَنْ لَا تَبْلُغْهُ) الْأَوْلَى مَنْ لَمْ ط (قَوْلُهُ بِفَتْحِ الدَّالِ) قَالَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُلْتَقَى: الدَّعْوَةُ هُنَا بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَذَا فِي الدَّعْوَةِ إلَى الطَّعَامِ، وَأَمَّا فِي النَّسَبِ فَبِالْكَسْرِ كَذَا قَالَهُ الْبَاقَانِيُّ لَكِنْ ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالضَّمِّ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ الْإِسْلَامُ (قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِمَعْنَى لَا يَحِلُّ كَمَا يَأْتِي نَظِيرُهُ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُهُ عَلَى قَوْلِهِ بَقِيَ إلَخْ أَيْ لَا يَحِلُّ فِي زَمَانِنَا أَيْضًا خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْيَنَابِيعِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْآنُ فَقَدْ فَاضَ وَاشْتَهَرَ، فَيَكُونُ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْبَعْثِ إلَيْهِمْ وَتَرْكِهِ اهـ قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَيَجِبُ أَنَّ الْمَدَارَ غَلَبَةُ ظَنِّ أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ ذَلِكَ ضَرَرًا) ذَكَرُوا هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ فِي الِاسْتِحْبَابِ مَعَ إمْكَانِهِ فِي الْوُجُوبِ أَيْضًا زَادَ فِي شَرْحِ الْمُلْتَقَى عَنْ الْمُحِيطِ: أَنْ يَطْمَعَ فِيهِمْ مَا يَدْعُوهُمْ إلَيْهِ ط.
(قَوْلُهُ كَأَنْ يَسْتَعِدُّونَ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُ النُّونِ؛ لِأَنَّهُ مَنْصُوبٌ بِأَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِنَصْبِ الْمَجَانِيقِ) أَيْ عَلَى حُصُونِهِمْ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَصَبَهَا عَلَى الطَّائِفِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ نَهْرٌ، وَهُوَ جَمْعُ مَنْجَنِيقٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَإِسْكَانِ النُّونِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ فَارِسِيَّةٌ مُعَرَّبَةٌ تُذَكَّرُ وَتَأْنِيثُهَا أَحْسَنُ وَهِيَ آلَةٌ تُرْمَى بِهَا الْحِجَارَةُ الْكِبَارُ قُلْت: وَقَدْ تُرِكَتْ الْيَوْمَ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِالْمَدَافِعِ الْحَادِثَةِ (قَوْلُهُ وَحَرْقِهِمْ) أَرَادَ حَرْقَ دُورِهِمْ وَأَمْتِعَتِهِمْ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ حَرْقُ ذَاتِهِمْ بِالْمَجَانِيقِ وَإِذَا جَازَتْ مُحَارَبَتُهُمْ بِحَرْقِهِمْ فَمَالُهُمْ أَوْلَى نَهْرٌ، وَقَوْلُهُ: بِالْمَجَانِيقِ أَيْ بِرَمْيِ النَّارِ بِهَا عَلَيْهِمْ، لَكِنْ جَوَازُ التَّحْرِيقِ وَالتَّغْرِيقِ مُقَيَّدٌ كَمَا فِي شَرْحِ السِّيَرِ بِمَا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ الظَّفَرِ بِهِمْ بِدُونِ ذَلِكَ، بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَإِنْ تَمَكَّنُوا بِدُونِهَا فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إهْلَاكَ أَطْفَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَمَنْ عِنْدَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا غَلَبَ إلَخْ) كَذَا قَيَّدَ فِي الْفَتْحِ إطْلَاقَ الْمُتُونِ، وَتَبِعَهُ فِي الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ إفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إلَّا لَهَا وَلَا يَخْفَى حُسْنُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَسْرُ شَوْكَتِهِمْ وَإِلْحَاقُ الْغَيْظِ بِهِمْ فَإِذَا غَلَبَ الظَّنُّ بِحُصُولِ ذَلِكَ بِدُونِ إتْلَافٍ، وَأَنَّهُ يَصِيرُ لَنَا لَا نُتْلِفُهُ (قَوْلُهُ وَنَحْوُهُ) كَرَصَاصٍ وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ بِهِ عَنْ النَّبْلِ فِي زَمَانِنَا
(قَوْلُهُ سُئِلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ) كَذَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ أَبِي اللَّيْثِ أَيْ بِأَنْ نَقُولَ لَهُ هَلْ نَرْمِي أَمْ لَا وَنَعْمَلُ بِقَوْلِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ سُؤَالُهُ (قَوْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ) أَيْ إذَا قَصَدْنَا الْكُفَّارَ بِالرَّمْيِ، وَأَصَبْنَا أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ تَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِهِمْ لَا نَضْمَنُهُ، وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّ الْقَوْلَ لِلرَّامِي بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ قَصَدَ الْكُفَّارَ لَا لِوَلِيِّ الْمُسْلِمِ الْمَقْتُولِ أَنَّهُ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْفُرُوضَ لَا تُقْرَنُ بِالْغَرَامَاتِ) أَيْ كَمَا لَوْ مَاتَ الْمَحْدُودُ بِالْجَلْدِ، أَوْ الْقَطْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute