وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ، وَمُفَادُهُ: أَنَّ الْفَيْءَ هُنَا يَعُمُّ الْغَنِيمَةَ فَلْيُحْفَظْ (وَإِلَّا لَا) لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَعْلَى بِالْأَدْنَى (فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمُوا) فَبِهَا (وَإِلَّا فَإِلَى الْجِزْيَةِ) لَوْ مَحَلًّا لَهَا كَمَا سَيَجِيءُ (فَإِنْ قَبِلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لَنَا) مِنْ الْإِنْصَافِ (وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا) مِنْ الِانْتِصَافِ فَخَرَجَ الْعِبَادَاتُ إذْ الْكُفَّارُ لَا يُخَاطَبُونَ بِهَا عِنْدَنَا
ــ
[رد المحتار]
مِنْ الطَّاعَاتِ وَهِيَ: التَّعْلِيمُ وَالْأَذَانُ وَالْإِمَامَةُ لَا عَلَى كُلِّ طَاعَةٍ، وَإِلَّا لَشَمِلَ نَحْوَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَلَا قَائِلَ بِهِ كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْإِجَارَاتِ، وَأَوْضَحْنَاهُ فِي رِسَالَتِنَا شِفَاءِ الْعَلِيلِ وَبَلِّ الْغَلِيلِ فِي أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْخَتَمَاتِ وَالتَّهَالِيلِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَمُفَادُهُ إلَخْ) أَيْ مُفَادُ تَفْسِيرِ الْفَيْءِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُودِ شَيْءٍ إلَخْ وَنَحْوُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفَيْءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ مَا يُؤْخَذُ بِغَيْرِ قِتَالٍ كَالْخَرَاجِ، وَالْجِزْيَةِ أَمَّا الْمَأْخُوذُ بِقِتَالٍ فَيُسَمَّى غَنِيمَةً كَمَا يَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَلَا تَتَقَيَّدُ الْكَرَاهَةُ بِوُجُودِ الْفَيْءِ فَقَطْ، وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَالْبَحْرِ. وَقَالَ لِجَوَازِ الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ، وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْفَيْءَ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ فَصْلِ الْجِزْيَةِ بَيَانُ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ وَتَقَدَّمَتْ مَنْظُومَةً فِي بَابِ الْعُشْرِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ (قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا يُكْرَهُ الْجُعَلُ لِلضَّرُورَةِ (قَوْلُهُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْأَعْلَى) وَهُوَ تَعَدِّي شَرِّ الْكُفَّارِ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِالْأَدْنَى) وَهُوَ الْجُعْلُ الْمَذْكُورُ، فَيُلْتَزَمُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ.
[تَنْبِيهٌ] مَنْ قَدَرَ عَلَى الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ لَزِمَهُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَخْذُ الْجُعْلِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الْخُرُوجِ وَلَهُ مَالٌ يَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ غَيْرَهُ عَنْهُ بِمَالِهِ وَعَكْسُهُ إنْ أَعْطَاهُ الْإِمَامُ كِفَايَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَيْرِهِ جُعْلًا، وَإِذَا قَالَ الْقَاعِدُ لِلْغَازِي: خُذْ هَذَا الْمَالَ لِتَغْزُوَ بِهِ عَنِّي لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِئْجَارٌ عَلَى الْجِهَادِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: فَاغْزُ بِهِ وَمِثْلُهُ الْحَجُّ وَلِلْغَازِي أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْجُعْلِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَّا بِهِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ نَدْبًا إنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ، وَإِلَّا فَوُجُوبًا مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرًا كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ فَإِنْ أَسْلَمُوا) أَيْ بِالتَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ عَلَى تَفْصِيلٍ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ هُنَا وَسَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي آخِرِ بَابِ الْمُرْتَدِّ مَعَ التَّبَرِّي عَنْ دِينِهِ، لَوْ كَانَ كِتَابِيًّا عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ يَكُونُ الْإِسْلَامُ بِالْفِعْلِ كَالصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَالْحَجِّ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مَنْظُومًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَأَشْبَعْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ ثَمَّةَ (قَوْلُهُ فَبِهَا) أَيْ فَبِالْخَصْلَةِ الْكَامِلَةِ أَخَذُوا وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَحَلًّا لَهَا) بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مُرْتَدِّينَ وَلَا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْجِزْيَةِ قَالَ فِي النَّهْرِ: وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُمْ مِقْدَارَ الْجِزْيَةِ وَوَقْتَ وُجُوبِهَا وَالتَّفَاوُتَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ فِي مِقْدَارِهَا (قَوْلُهُ فَلَهُمْ مَا لَنَا مِنْ الْإِنْصَافِ إلَخْ) أَيْ الْمُعَامَلَةِ بِالْعَدْلِ وَالْقِسْطِ وَالِانْتِصَافُ الْأَخْذُ بِالْعَدْلِ قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ لَهُمْ عَلَيْنَا وَيَجِبُ لَنَا عَلَيْهِمْ لَوْ تَعَرَّضْنَا لِدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ أَوْ تَعَرَّضُوا لِدِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا مَا يَجِبُ لِبَعْضِنَا عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ التَّعَرُّضِ اهـ وَفِي الْبَحْرِ وَسَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ اسْتِثْنَاءُ عَقْدِهِمْ عَلَى الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فَإِنَّهُ كَعَقْدِنَا عَلَى الْعَصِيرِ وَالشَّاةِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الذِّمِّيَّ مُؤَاخَذٌ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ إلَّا حَدَّ الشُّرْبِ وَمَرَّ فِي النِّكَاحِ لَوْ اعْتَقَدُوا جَوَازَهُ بِلَا مَهْرٍ أَوْ شُهُودٍ أَوْ فِي عِدَّةٍ لِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ بِخِلَافِ الرِّبَا. اهـ. (قَوْلُهُ فَخَرَجَ) أَيْ بِالتَّقْيِيدِ بِالْإِنْصَافِ وَالِانْتِصَافِ.
مَطْلَبٌ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ نَدْبًا (قَوْلُهُ إذْ الْكُفَّارُ لَا يُخَاطَبُونَ بِهَا عِنْدَنَا) الَّذِي تَحَرَّرَ فِي الْمَنَارِ وَشَرْحِهِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِالْإِيمَانِ، وَبِالْعُقُوبَاتِ سِوَى حَدِّ الشُّرْبِ، وَالْمُعَامَلَاتِ وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَقَالَ السَّمرقَنْديُّون نَ: إنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِهَا أَدَاءً وَاعْتِقَادًا قَالَ الْبُخَارِيُّونَ: إنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِهَا أَدَاءً فَقَطْ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهِمَا فَيُعَاقَبُونَ عَلَيْهِمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. اهـ. ح
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute