أُذِنَ لَهُمَا فِي الْقِتَالِ (بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ) الْأَمَانُ (وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَهَا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمُسْلِمِينَ) ذَلِكَ (بِشَرْطِ سَمَاعِهِمْ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فَلَا أَمَانَ لَوْ كَانَ بِالْبُعْدِ مِنْهُمْ، وَيَصِحُّ بِالصَّرِيحِ كَأَمَّنْتُ أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ وَبِالْكِنَايَةِ كَتَعَالَ إذَا ظَنَّهُ أَمَانًا وَبِالْإِشَارَةِ بِالْأُصْبُعِ إلَى السَّمَاءِ وَلَوْ نَادَى الْمُشْرِكُ بِالْأَمَانِ صَحَّ لَوْ مُمْتَنِعًا وَصَحَّ طَلَبُهُ لِذَرَارِيِّهِ لَا لِأَهْلِهِ
ــ
[رد المحتار]
بَحْثُ الْأَمَانِ (قَوْلُهُ أُذِنَ لَهُمَا فِي الْقِتَالِ) أَيْ إذَا كَانَ الصَّبِيُّ وَالْعَبْدُ مَأْذُونَيْنِ فِي الْقِتَالِ صَحَّ أَمَانُهُمَا فِي الْأَصَحِّ اتِّفَاقًا قُهُسْتَانِيٌّ عَنْ الْهِدَايَةِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ ابْنُ الْكَمَالِ عَنْ الِاخْتِيَارِ دُرٌّ مُنْتَقَى (قَوْلُهُ بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَمَانًا. قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّرْطَ مَعْرِفَةُ الْمُتَكَلَّمِ بِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْأَمَانُ بِهِ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَيْضًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَوْ لَمْ يُعْرَفْ مَعْنَاهُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فَلَا أَمَانَ لَوْ كَانَ بِالْبُعْدِ مِنْهُمْ) أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ السَّمَاعُ وَلَوْ حُكْمًا لِمَا نَقَلَهُ ط عَنْ الْهِنْدِيَّةِ لَوْ نَادَوْهُمْ مِنْ مَوْضِعٍ يَسْمَعُونَ وَعَلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا بِأَنْ كَانُوا نِيَامًا أَوْ مَشْغُولِينَ بِالْحَرْبِ فَذَلِكَ أَمَانٌ (قَوْلُهُ كَ تَعَالَ) قَالَ السَّرَخْسِيُّ: اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ بِحَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَشَارَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْعَدُوِّ أَنْ تَعَالَ فَإِنَّك إنْ جِئْت قَتَلْتُك فَأَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ " وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَفْهَمْ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَهُ إنْ جِئْت قَتَلْتُك أَمَّا لَوْ عَلِمَ وَسَمِعَ فَهُوَ فَيْءٌ (قَوْلُهُ إلَى السَّمَاءِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ إنِّي أَعْطَيْتُك ذِمَّةَ إلَهِ السَّمَاءِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ أَنْتَ آمِنٌ بِحَقِّهِ سَرَخْسِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ نَادَى الْمُشْرِكُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ أَيْ لَوْ طَلَبَ الْمُشْرِكُ الْأَمَانَ مِنَّا صَحَّ لَوْ مُمْتَنِعًا أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَمْنَعُهُ عَنْ وُصُولِنَا إلَيْهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ وَهُوَ مَادٌّ سَيْفَهُ أَوْ رُمْحَهُ فَهُوَ فَيْءٌ. اهـ. قُلْت: وَمُفَادُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُمْتَنِعًا يَصِيرُ آمِنًا بِمُجَرَّدِ طَلَبِهِ الْأَمَانَ وَإِنْ لَمْ نُؤَمِّنْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هَذَا إذَا تَرَكَ مَنْعَتَهُ وَجَاءَ إلَيْنَا طَالِبًا فَفِي شَرْحِ السِّيَرِ وَلَوْ كَانَ فِي مَنَعَةٍ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ الْمُسْلِمُونَ كَلَامَهُ وَلَا يَرَوْنَهُ فَانْحَطَّ إلَيْنَا وَحْدَهُ بِلَا سِلَاحٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَيْثُ نَسْمَعُهُ نَادَى بِالْأَمَانِ فَهُوَ آمِنٌ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقْبَلَ سَالًّا سَيْفَهُ مَادًّا بِرُمْحِهِ نَحْوَنَا فَلَمَّا قَرُبَ اسْتَأْمَنَ فَهُوَ فَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الظَّاهِرِ فِيمَا يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ جَائِزٌ، وَلَوْ فِي إبَاحَةِ الدَّمِ كَمَا لَوْ دَخَلَ بَيْتَهُ إنْسَانٌ لَيْلًا، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ هَارِبٌ، فَلَوْ عَلَيْهِ سِيَمَا اللُّصُوصِ لَهُ قَتْلُهُ وَإِلَّا فَلَا ثَمَّ. قَالَ: وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ فَارَقَ الْمَنَعَةَ عِنْدَ الِاسْتِئْمَانِ فَإِنَّهُ يَكُونُ آمِنًا عَادَةً وَالْعَادَةُ تُجْعَلُ حُكْمًا إذَا لَمْ يُوجَدْ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِهِ، وَلَوْ وَجَدْنَا حَرْبِيًّا فِي دَارِنَا فَقَالَ: دَخَلْت بِأَمَانٍ لَمْ يُصَدَّقْ وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنَا رَسُولُ الْمَلِكِ إلَى الْخَلِيفَةِ إلَّا إذَا أَخْرَجَ كِتَابًا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كِتَابَ مَلِكِهِمْ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ مُفْتَعِلٌ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ آمِنٌ كَمَا جَرَى بِهِ الرَّسْمُ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامًا وَلَا يَجِدُ مُسْلِمَيْنِ فِي دَارِهِمْ لِيَشْهَدَا لَهُ فَلَوْ لَمْ يَصْحَبْهُ دَلِيلٌ وَلَا كِتَابٌ فَأَخَذَهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَنْ وُجِدَ فِي عَسْكَرِنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخَذَهُ وَاحِدٌ، لَكِنَّهُ هُنَاكَ يُخَمَّسُ رِوَايَةً وَاحِدَةً وَهُنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ فَيْءٌ لِمَنْ أَخَذَهُ كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ وَفِي إيجَابِ الْخُمُسِ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا اهـ مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ وَصَحَّ طَلَبُهُ إلَخْ) هَذَا غَلَطٌ وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ: لَوْ طَلَبَ الْأَمَانَ لِأَهْلِهِ لَا يَكُونُ هُوَ آمِنًا، بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَبَ لِذَرَارِيِّهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَحْتَ الْأَمَانِ اهـ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ طَلَبُ الْأَمَانِ لِأَهْلِهِ وَذَرَارِيّهِ جَمِيعًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ، وَيَدْخُلُ فِي الثَّانِي اهـ ح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute