للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ) وَلَا يَعْدِلُ

ــ

[رد المحتار]

قَالَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَوَاشِي الْبَحْرِ أَقُولُ: كَلَامُ السُّبْكِيّ عَامٌّ فِيمَا هَدَمَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ فِي كَلَامِ الْأَشْبَاهِ يَخُصُّ الْأَوَّلَ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ الْعُمُومُ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيمَا يَظْهَرُ أَنَّ فِي إعَادَتِهَا بَعْدَ هَدْمِ الْمُسْلِمِينَ اسْتِحْفَافًا بِهِمْ، وَبِالْإِسْلَامِ وَإِخْمَادًا لَهُمْ وَكَسْرًا لِشَوْكَتِهِمْ، وَنَصْرًا لِلْكُفْرِ وَأَهْلِهِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ فِيهِ افْتِيَاتًا عَلَى الْإِمَامِ فَيَلْزَمُ فَاعِلَهُ التَّعْزِيرُ كَمَا إذَا أَدْخَلَ الْحَرْبِيَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَصِحُّ أَمَانُهُ وَيُعَزَّرُ لِافْتِيَاتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَدَمُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهَا تُعَادُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ كَلَامِ السُّبْكِيّ. اهـ. مَطْلَبٌ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إعَادَةِ الْمُنْهَدِمِ أَنَّهُ جَائِزٌ نَأْمُرُهُمْ بِهِ بَلْ الْمُرَادُ نَتْرُكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ [تَنْبِيهٌ]

ذَكَرَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَةٍ فِي أَحْكَامِ الْكَنَائِسِ عَنْ الْإِمَامِ السُّبْكِيّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا نَمْنَعُهُمْ مِنْ التَّرْمِيمِ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ جَائِزٌ نَأْمُرُهُمْ بِهِ بَلْ بِمَعْنَى نَتْرُكُهُمْ وَمَا يَدِينُونَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعَاصِي الَّتِي يُقَرُّونَ عَلَيْهَا كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ وَلَا نَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمْ، فَلَا يَحِلُّ لِلسُّلْطَانِ وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهُمْ افْعَلُوا ذَلِكَ وَلَا أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَيْهِ، وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَعْمَلَ لَهُمْ فِيهِ، وَلَا يَخْفَى ظُهُورُهُ وَمُوَافَقَتُهُ لِقَوَاعِدِنَا. مَطْلَبٌ لَمْ يَكُنْ مِنْ الصَّحَابَةِ صُلْحٌ مَعَ الْيَهُودِ

ثُمَّ نُقِلَ عَنْ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيِّ فِي كَنِيسَةٍ لِلْيَهُودِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عِنْدَ فَتْحِ النَّوَاحِي لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ صُلْحٌ مَعَ الْيَهُودِ أَصْلًا. اهـ. قُلْت: وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْبِلَادَ كَانَتْ بِيَدِ النَّصَارَى، وَلَمْ تَزَلْ الْيَهُودُ مَضْرُوبَةً عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ؛ ثُمَّ رَأَيْت فِي حَاشِيَةِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الرَّحْمَتِيِّ كَتَبَ عِنْدَ قَوْلِ الشَّارِحِ فِي خُطْبَةِ الْإِمَامِ بِجَامِعِ بَنِي أُمَيَّةَ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ نَقَضَ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَهْدَهُمْ فِي وَقْعَةِ التَّتَارِ وَقُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ فَكَنَائِسُهُمْ الْآنَ مَوْضُوعَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ: حَادِثَةُ الْفَتْوَى فِي أَخْذِ النَّصَارَى كَنِيسَةً مَهْجُورَةً لِلْيَهُودِ

وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا حُكْمُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى الْوَاقِعَةِ فِي عَامِ ثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وَالْأَلْفِ قَرِيبًا مِنْ كِتَابَتِي لِهَذَا الْمَحَلِّ، وَهِيَ أَنَّ كَنِيسَةً لِفِرْقَةٍ مِنْ الْيَهُودِ تُسَمَّى الْيَهُودَ الْقَرَّايِينَ مَهْجُورَةٌ مِنْ قَدِيمٍ لِفَقْدِ هَذِهِ الْفِرْقَةِ وَانْقِطَاعِهِمْ فِي دِمَشْقَ، فَحَضَرَ يَهُودِيٌّ غَرِيبٌ هُوَ مِنْ هَذِهِ الْفِرْقَةِ إلَى دِمَشْقَ، فَدَفَعَ لَهُ النَّصَارَى دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، وَأَذِنَ لَهُمْ فِي بِنَائِهَا، وَأَنْ يَجْعَلُوهَا مَعْبَدًا لَهُمْ، وَصَدَّقَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْيَهُودِ لِقُوَّةِ شَوْكَةِ النَّصَارَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَبَلَغَنِي أَنَّ الْكَنِيسَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي دَاخِلِ حَارَةٍ لِلْيَهُودِ مُشْتَمِلَةً عَلَى دُورٍ عَدِيدَةٍ وَأَنَّ مُرَادَ النَّصَارَى شِرَاءُ الْحَارَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِدْخَالُهَا لِلْكَنِيسَةِ، وَطَلَبُوا فَتْوَى عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ الْإِذْنِ، وَعَلَى كَوْنِهَا صَارَتْ مَعْبَدًا لِلنَّصَارَى، فَامْتَنَعْت مِنْ الْكِتَابَةِ. مَطْلَبٌ فِيمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَهَوِّرِينَ فِي زَمَانِنَا

وَقُلْت: إنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَكَتَبَ لَهُمْ بَعْضُ الْمُتَهَوِّرِينَ طَمَعًا فِي عَرَضِ الدُّنْيَا أَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ جَائِزٌ، فَقَوِيَتْ بِذَلِكَ شَوْكَتُهُمْ، وَعَرَضُوا ذَلِكَ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ لِيَأْذَنَ لَهُمْ بِذَلِكَ حَيْثُ وَافَقَ غَرَضُهُمْ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ، بِنَاءً عَلَى مَا أَفْتَاهُمْ بِهِ ذَلِكَ الْمُفْتِي وَلَا أَدْرِي مَا يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>