للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ النَّقْضِ الْأَوَّلِ إنْ كَفَى وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ -

ــ

[رد المحتار]

وَمُسْتَنَدِي فِيمَا قُلْته أُمُورٌ: مِنْهَا مَا عَلِمْته مِنْ أَنَّ الْيَهُودَ لَا عَهْدَ لَهُمْ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ كَنَائِسَهُمْ الْقَدِيمَةَ أُقِرَّتْ مَسَاكِنَ لَا مَعَابِدَ، فَتَبْقَى كَمَا أُبْقِيَتْ عَلَيْهِ، وَمَا عَلِمْته أَيْضًا مِنْ أَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ لِقِتَالِهِمْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ التَّتَارِ الْكُفَّارِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ عَهْدٌ فِي كَنَائِسِهِمْ فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ الْآنَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَأْتِي قَرِيبًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَسَبُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ عَهْدَ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الشَّامِ مَشْرُوطٌ بِأَنَّ لَا يُحْدِثُوا بِيعَةً، وَلَا كَنِيسَةً، وَلَا يَشْتِمُوا مُسْلِمًا وَلَا يَضْرِبُوهُ، وَأَنَّهُمْ إنْ خَالَفُوا فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ. وَمِنْهَا: أَنَّ هَذِهِ كَنِيسَةٌ مَهْجُورَةٌ انْقَطَعَ أَهْلُهَا وَتَعَطَّلَتْ عَنْ الْكُفْرِ فِيهَا فَلَا تَجُوزُ الْإِعَانَةُ عَلَى تَجْدِيدِ الْكُفْرِ فِيهَا، وَهَذَا إعَانَةٌ عَلَى ذَلِكَ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ حَيْثُ تَعَطَّلَتْ عَنْ كُفْرِ أَهْلِهَا. وَقَدْ نَقَلَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ الْقَرَافِيِّ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يُعَادُ مَا انْهَدَمَ مِنْ الْكَنَائِسِ، وَأَنَّ مَنْ سَاعَدَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ رَاضٍ بِالْكُفْرِ وَالرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ اهـ.

فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ سُوءِ الْمُنْقَلَبِ. وَمِنْهَا: أَنَّ عَدَاوَةَ الْيَهُودِ لِلنَّصَارَى أَشَدُّ مِنْ عَدَاوَتِهِمْ لَنَا، وَهَذَا الرِّضَا وَالتَّصْدِيقُ نَاشِئٌ عَنْ خَوْفِهِمْ مِنْ النَّصَارَى لِقُوَّةِ شَوْكَتِهِمْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَمِنْهَا: أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مُعَيَّنَةٌ لِفِرْقَةٍ خَاصَّةٍ لَيْسَ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْفِرْقَةِ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى جِهَةٍ أُخْرَى وَإِنْ كَانَ الْكُفْرُ مِلَّةً وَاحِدَةً عِنْدَنَا كَمَدْرَسَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ مَثَلًا لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ أَنْ يَجْعَلَهَا لِأَهْلِ مَذْهَبٍ آخَرَ وَإِنْ اتَّحَدَتْ الْمِلَّةُ. وَمِنْهَا: أَنَّ الصُّلْحَ الْعُمَرِيَّ الْوَاقِعَ حِينَ الْفَتْحِ مَعَ النَّصَارَى إنَّمَا وَقَعَ عَلَى إبْقَاءِ مَعَابِدِهِمْ الَّتِي كَانَتْ لَهُمْ إذْ ذَاكَ، وَمِنْ جُمْلَةِ الصُّلْحِ مَعَهُمْ كَمَا عَلِمْته آنِفًا أَنْ لَا يُحْدِثُوا كَنِيسَةً وَلَا صَوْمَعَةً، وَهَذَا إحْدَاثُ كَنِيسَةٍ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ بِلَا شَكٍّ، وَاتَّفَقَتْ مَذَاهِبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنْ الْإِحْدَاثِ كَمَا بَسَطَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ بِنَقْلِهِ نُصُوصَ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْإِحْدَاثِ أَنْ يَكُونَ بِنَاءً حَادِثًا لِأَنَّهُ نَصَّ فِي شَرْحِ السِّيَرِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادُوا أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْتًا لَهُمْ مُعَدًّا لِلسُّكْنَى كَنِيسَةً يَجْتَمِعُونَ فِيهِ يُمْنَعُونَ مِنْهُ لِأَنَّ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَازْدِرَاءٌ بِالدِّينِ. اهـ.

أَيْ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ مَعْبَدٍ لَهُمْ عَارَضُوا بِهِ مَعَابِدَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذِهِ الْكَنِيسَةُ كَذَلِكَ جَعَلُوهَا مَعْبَدًا لَهُمْ حَادِثًا فَمَا أَفْتَى بِهِ ذَلِكَ الْمِسْكِينُ خَالَفَ فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا قَصَدُوهُ مِنْ عِمَارَتِهَا بِأَنْقَاضٍ جَدِيدَةٍ وَزِيَادَتِهِمْ فِيهَا فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَنِيسَةً لَهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الدِّينِ أَيْضًا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ أَفْتَاهُمْ وَسَاعَدَهُمْ وَقَوَّى شَوْكَتَهُمْ يُخْشَى عَلَيْهِ سُوءُ الْخَاتِمَة وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ عَنْ النُّقْضِ) بِالضَّمِّ مَا انْتَقَضَ مِنْ الْبُنْيَانِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ) ذَكَرَ عِبَارَتَهُ فِي النَّهْرِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ فِي عَقْدِ الْفَرَائِدِ: وَهَذَا أَيْ قَوْلُهُمْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ يُفِيدُ أَنَّهُمْ لَا يَبْنُونَ مَا كَانَ بِاللَّبِنِ بِالْآجُرِّ، وَلَا مَا كَانَ بِالْآجُرِّ بِالْحَجَرِ وَلَا مَا كَانَ بِالْجَرِيدِ، وَخَشَبِ النَّخْلِ بِالنَّقِيِّ وَالسَّاجِ وَلَا بَيَاضَ لَمْ يَكُنْ. قَالَ: وَلَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ أَنْ لَا تُعَادَ إلَّا بِالنَّقْضِ الْأَوَّلِ وَكَوْنُ ذَلِكَ مَفْهُومَ الْإِعَادَةِ شَرْعًا وَلُغَةً غَيْرَ ظَاهِرِ عِنْدِي عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ مُحَمَّدٍ يَبْنُونَهَا وَفِي إجَارَةِ الْخَانِيَّةِ يَعْمُرُوا وَلَيْسَ فِيهِمَا مَا يُشْعِرُ بِاشْتِرَاطِ النُّقْضِ الْأَوَّلِ. مَطْلَبٌ فِي كَيْفِيَّةِ إعَادَةِ الْمُنْهَدِمِ مِنْ الْكَنَائِسِ

وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: وَإِذَا انْهَدَمَتْ الْبِيَعُ وَالْكَنَائِسُ لِذَوِي الصُّلْحِ إعَادَتُهَا بِاللَّبِنِ وَالطِّينِ إلَى مِقْدَارِ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا يَزِيدُونَ عَلَيْهِ، وَلَا يُشَيِّدُونَهَا بِالْحَجَرِ وَالشِّيدِ وَالْآجُرِّ، وَإِذَا وَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى بِيعَةٍ جَدِيدَةٍ أَوْ بَنَى مِنْهَا فَوْقَ مَا كَانَ فِي الْقَدِيمِ خَرَّبَهَا وَكَذَا مَا زَادَ فِي عِمَارَتِهَا الْعَتِيقَةِ اهـ وَمُقْتَضَى النَّظَرِ أَنَّ النَّقْضَ الْأَوَّلَ حَيْثُ وُجِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>