وَأَمَّا الْقَدِيمَةُ فَتُتْرَكُ مَسْكَنًا فِي الْفَتْحِيَّةِ وَمَعْبَدًا فِي الصُّلْحِيَّةِ بَحْرٌ خِلَافًا لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَتَنَبَّهْ
(وَيُمَيِّزُ الذِّمِّيُّ عَنَّا فِي زِيِّهِ) بِالْكَسْرِ لِبَاسَهُ وَهَيْئَتَهُ وَمَرْكَبَهُ وَسَرْجَهُ وَسِلَاحَهُ (فَلَا يَرْكَبُ خَيْلًا) إلَّا إذَا اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ لِمُحَارِبَةٍ وَذَبَّ عَنَّا ذَخِيرَةً وَجَازَ بَغْلٌ كَحِمَارٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ وَفِي الْفَتْحِ وَهَذَا عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ أَصْلًا
ــ
[رد المحتار]
كَافِيًا لِلْبِنَاءِ الْأَوَّلِ لَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَى آلَةٍ جَدِيدَةٍ إذْ لَا شَكَّ فِي زِيَادَةِ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَمَّا الْقَدِيمَةُ إلَخْ) مُقَابِلُ قَوْلِهِ: وَلَا يُحْدِثُ بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةً، وَكَانَ الَأَوْلَى ذَكَرَهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَيُعَادُ الْمُنْهَدِمُ لِأَنَّ إعَادَةَ الْمُنْهَدِمِ إنَّمَا هِيَ فِي الْقَدِيمَةِ دُونَ الْحَادِثَةِ (قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِيَّةِ) أَرَادَ بِهَا الْمَفْتُوحَةَ عَنْوَةً بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهَا بِالصُّلْحِيَّةِ (قَوْلُهُ بَحْرٌ) عِبَارَتُهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْبِيَعَ وَالْكَنَائِسَ الْقَدِيمَةَ فِي السَّوَادِ لَا تُهْدَمُ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا، وَأَمَّا فِي الْأَمْصَارِ فَاخْتَلَفَ كَلَامُ مُحَمَّدٍ، فَذَكَرَ فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ تُهْدَمُ الْقَدِيمَةُ وَذَكَرَ فِي الْإِجَارَةِ لَا تُهْدَمُ، وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى هَذَا، فَإِنَّا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنْهَا تَوَالَتْ عَلَيْهَا أَئِمَّةٌ وَأَزْمَانٌ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَمْ يَأْمُرْ إمَامٌ بِهَدْمِهَا؛ فَكَانَ مُتَوَارِثًا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ مَصَّرْنَا بَرِّيَّةً فِيهَا أَوْ كَنِيسَةً فَوَقَعَ دَاخِلَ السُّوَرِ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يُهْدَمَ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْأَمَانِ قَبْلَ وَضْعِ السُّوَرِ فَيُحْمَلُ مَا فِي جَوْفِ الْقَاهِرَةِ مِنْ الْكَنَائِسِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ قَضَاءً فَأَدَارَ الْعُبَيْدِيُّونَ عَلَيْهَا السُّوَرَ، ثُمَّ فِيهَا الْآنَ كَنَائِسُ وَيَبْعُدُ مِنْ إمَامٍ تَمْكِينُ الْكُفَّارِ مِنْ إحْدَاثِهَا جِهَارًا وَعَلَى هَذَا أَيْضًا فَالْكَنَائِسُ الْمَوْضُوعَةُ الْآنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرَ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كُلُّهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُهْدَمَ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي الْأَمْصَارِ قَدِيمَةً، فَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْ التَّابِعِينَ حِينَ فَتَحُوا الْمَدِينَةَ عَلِمُوا بِهَا وَأَبْقَوْهَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ أَبْقَوْهَا مَسَاكِنَ لَا مَعَابِدَ فَلَا تُهْدَمُ وَلَكِنْ يُمْنَعُونَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِيهَا لِلتَّقَرُّبِ، وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ أَقَرُّوهَا مَعَابِدَ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِيهَا بَلْ مِنْ الْإِظْهَارِ. اهـ.
قُلْت: وَقَوْلُهُ فَوَقَعَ دَاخِلَ السُّوَرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُهْدَمَ ظَاهِرُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ مَنْقُولًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَشَرْحِ السِّيَرِ، وَقَوْلُهُ: وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ إلَخْ قَدَّمْنَا مَا لَوْ اخْتَلَفَ فِي أَنَّهَا فَتَحِيَّةٌ أَوْ صُلْحِيَّةٌ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ الْآثَارِ وَالْأَخْبَارِ تَبْقَى فِي أَيْدِيهِمْ (قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ) أَيْ عَنْ التَّتِمَّةِ مِنْ أَنَّهَا فِي الصُّلْحِيَّةِ تُهْدَمُ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ
مَطْلَبٌ فِي تَمْيِيزِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي الْمَلْبَسِ
(قَوْلُهُ وَيُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ إلَخْ) حَاصِلُهُ: أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مُخَالِطِينَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهِمْ عَنَّا كَيْ لَا يُعَامَلَ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِ مِنْ التَّوْقِيرِ وَالْإِجْلَالِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَرُبَّمَا يَمُوتُ أَحَدُهُمْ فَجْأَةً فِي الطَّرِيقِ وَلَا يُعْرَفُ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِذَا وَجَبَ التَّمْيِيزُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِمَا فِيهِ صَغَارٌ لَا إعْزَازٌ لِأَنَّ إذْلَالَهُمْ لَازِمٌ بِغَيْرِ أَذًى مِنْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ بِلَا سَبَبٍ يَكُونُ مِنْهُ بَلْ الْمُرَادُ اتِّصَافُهُ بِهَيْئَةٍ وَضَيْعَةٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَمَرْكَبِهِ) مُخَالَفَةُ الْهَيْئَةِ فِيهِ إنَّمَا تَكُونُ إذَا رَكِبُوا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَغَالِبُ ظَنِّي أَنِّي سَمِعْته مِنْ الشَّيْخِ الْأَخِ كَذَلِكَ نَهْرٌ. قُلْت: وَهُوَ كَذَلِكَ فَفِي رِسَالَةِ الْعَلَّامَةِ قَاسِمٍ فِي الْكَنَائِسِ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يَخْتِمُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ بِالرَّصَاصِ وَيَرْكَبُوا عَلَى الْأُكُفِ عُرْضًا (قَوْلُهُ سِلَاحِهِ) تَبِعَ فِيهِ الدُّرَرَ وَهُوَ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْمُتُونِ، وَلَا يَعْمَلُ بِسِلَاحٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ أَوْ الْمُرَادُ مِنْ تَمْيِيزِهِ فِي سِلَاحِهِ بِأَنْ لَا يَحْمِلَ سِلَاحًا، وَهُوَ بَعِيدٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ إلَخْ) لَكِنَّهُ يَرْكَبُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِإِكَافٍ لَا بِسَرْجٍ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ نَهْرٌ (قَوْلُهُ وَذَبٍّ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ دَفْعٍ وَطَرْدِ الْعَدُوِّ (قَوْلُهُ وَجَازَ بَغْلٌ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عِزٌّ وَشَرَفٌ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ جَوَازُ رُكُوبِهِ لِبَغْلٍ أَوْ حِمَارٍ وَكَانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute