للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِبْرَيْسَمِ وَالثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالشَّرَفِ) كَصُوفٍ مُرَبَّعٍ وَجُوخٍ رَفِيعٍ وَأَبْرَادٍ رَقِيقَةٍ وَمِنْ اسْتِكْتَابٍ وَمُبَاشَرَةٍ يَكُونُ بِهَا مُعَظَّمًا عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ. وَفِي الْحَاوِي: وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَازِمَ الصِّغَارَ فِيمَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَيْهِ فَيُمْنَعُ مِنْ الْقُعُودِ حَالَ قِيَامِ الْمُسْلِمِ عِنْدَهُ بَحْرٌ. وَيَحْرُمُ تَعْظِيمُهُ، وَتُكْرَهُ مُصَافَحَتُهُ، وَلَا يُبْدَأُ بِسَلَامٍ إلَّا لِحَاجَةٍ وَلَا يُزَادُ فِي الْجَوَابِ عَلَيَّ وَعَلَيْك وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي الْمُرُورِ وَيُجْعَلُ عَلَى دَارِهِ عَلَامَةٌ وَتَمَامُهُ فِي الْأَشْبَاهِ مِنْ أَحْكَامِ الذِّمِّيِّ. وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ لِلشُّرُنْبُلَالِيِّ: وَيُمْنَعُونَ مِنْ اسْتِيطَانِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَجْتَمِعُ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ دِينَانِ» وَلَوْ دَخَلَ لِتِجَارَةٍ جَازَ وَلَا يُطِيلُ. وَأَمَّا دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ الْمَنْعَ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَدَمَهُ وَالسِّيَرُ الْكَبِيرُ آخِرُ تَصْنِيفِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

ــ

[رد المحتار]

ظَاهِرُهُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْعِمَامَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ لِلْقَلَنْسُوَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَنْعُهُمْ مِنْ الْعِمَامَةِ وَلَوْ غَيْرَ طَوِيلَةٍ وَإِلْزَامُهُمْ بِالْقَلَنْسُوَةِ الطَّوِيلَةِ كَمَا عَلِمْته فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ وَالْقَلَنْسُوَةُ هِيَ الَّتِي يُدْخِلُ فِيهَا الرَّأْسَ وَالْعِمَامَةُ مَا يُدَارُ عَلَيْهَا مِنْ مِنْدِيلٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ الْإِبْرَيْسَمِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَة وَالرَّاءِ وَفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ الْحَرِيرُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْحَرِيرَةُ وَاحِدَةُ الْحَرِيرِ وَهُوَ الْإِبْرَيْسَمِ (قَوْلُهُ كَصُفُوفٍ مُرَبَّعٍ) لِعِلَّةِ الْفَرْجِيَّةِ فَإِنَّهُ الْآنَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ ط (قَوْلُهُ وَأَبْرَادٍ رَقِيقَةٍ) الْبُرْدُ نَوْعٌ مِنْ الثِّيَابِ مُخَطَّطٌ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ) حَيْثُ قَالَ: بَلْ رُبَّمَا يَقِفُ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ خِدْمَةً لَهُمْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَغَيَّرَ خَاطِرُهُ مِنْهُ، فَيَسْعَى بِهِ عِنْدَ مُسْتَكْتِبِهِ سِعَايَةً تُوجِبُ لَهُ مِنْهُ الضَّرَرُ ثُمَّ قَالَ: وَتُجْعَلُ مَكَاعِبُهُمْ خَشِنَةً فَاسِدَةَ اللَّوْنِ وَلَا يَلْبَسُوا طَيَالِسَةً كَطَيَالِسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَرِدْيَةً كَأَرْدِيَتِهِمْ هَكَذَا أُمِرُوا وَاتَّفَقَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ. اهـ.

وَقَالَ أَيْضًا وَلَا شَكَّ فِي وُقُوعِ خِلَافِ هَذَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ. اهـ. قُلْت: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ اسْتَأْسَدَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ:

أَحْبَابَنَا نُوَبُ الزَّمَانِ كَثِيرَةٌ ... وَأَمَرُّ مِنْهَا رِفْعَةُ السُّفَهَاءِ

فَمَتَى يُفِيقُ الدَّهْرُ مِنْ سَكَرَاتِهِ ... وَأَرَى الْيَهُودَ بِذِلَّةِ الْفُقَهَاءِ

(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلَازِمَ الصَّغَارَ) أَيْ الذُّلَّ وَالْهَوَانَ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَنْبَغِيَ هُنَا بِمَعْنَى يَجِبُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ إظْهَارُ الذُّلِّ وَالصَّغَارِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَدَمُ تَعْظِيمِهِمْ لَكِنْ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: إذَا دَخَلَ يَهُودِيٌّ الْحَمَّامَ إنْ خَدَمَهُ الْمُسْلِمُ طَمَعًا فِي فُلُوسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ تَعْظِيمًا لَهُ فَإِنْ كَانَ لِيَمِيلَ قَلْبُهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا كُرِهَ وَكَذَا لَوْ دَخَلَ ذِمِّيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَامَ لَهُ لِيَمِيلَ قَلْبُهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ عَظَّمَهُ لِغِنَاهُ كُرِهَ اهـ قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ: وَإِنْ قَامَ تَعْظِيمًا لِذَاتِهِ وَمَا هُوَ عَلَيْهِ كَفَرَ لِأَنَّ الرِّضَا بِالْكُفْرِ كُفْرٌ فَكَيْفَ بِتَعْظِيمِ الْكُفْرِ. اهـ. قُلْت: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَامَ لَهُ خَوْفًا مِنْ شَرِّهِ فَلَا بَأْسَ أَيْضًا بَلْ إذَا تَحَقَّقَ الضَّرَرُ، فَقَدْ يَجِبُ وَقَدْ يُسْتَحَبُّ عَلَى حَسَبِ حَالِ مَا يَتَوَقَّعُهُ (قَوْلُهُ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي الْمُرُورِ) بِأَنْ يُلْجِئَهُ إلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِمْ فِي الطَّرِيقِ.

(قَوْلُهُ وَيَجْعَلُ عَلَى دَارِهِ عَلَامَةً) لِئَلَّا يَقِفَ سَائِلٌ فَيَدْعُو لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ أَوْ يُعَامِلَهُ فِي التَّضَرُّعِ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ) أَفَادَ أَنَّ الْحُكْمَ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، بَلْ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ كُلُّهَا كَذَلِكَ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمْنَا تَحْدِيدَهَا، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ قَالَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ كَمَا أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ وَبَسَطَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ وَلَا يُطِيلُ) فَيُمْنَعُ أَنْ يُطِيلَ فِيهَا الْمُكْثَ حَتَّى يَتَّخِذَ فِيهَا مَسْكَنًا لِأَنَّ حَالَهُمْ فِي الْمُقَامِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ مَعَ الْتِزَامِ الْجِزْيَةِ كَحَالِهِمْ فِي غَيْرِهَا بِلَا جِزْيَةٍ وَهُنَاكَ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ التِّجَارَةِ، بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>