فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ
(مَنْ ارْتَدَّ عَرَضَ) الْحَاكِمُ (عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ اسْتِحْبَابًا) عَلَى الْمَذْهَبِ لِبُلُوغِهِ الدَّعْوَةَ (وَتُكْشَفُ شُبْهَتُهُ) بَيَانٌ لِثَمَرَةِ الْعَرْضِ (وَيُحْبَسُ) وُجُوبًا وَقِيلَ نَدْبًا (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا خَانِيَّةٌ (إنْ اسْتَمْهَلَ) أَيْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ وَإِلَّا قَتَلَهُ مِنْ سَاعَتِهِ إلَّا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ بَدَائِعُ وَكَذَا؛ لَوْ ارْتَدَّ ثَانِيًا لَكِنَّهُ يُضْرَبُ، وَفِي الثَّالِثَةِ يُحْبَسُ أَيْضًا حَتَّى تَظْهَرَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ، فَإِنْ عَادَ فَكَذَلِكَ تَتَارْخَانِيَّةٌ. قُلْت: لَكِنْ نَقَلَ فِي الزَّوَاجِرِ عَنْ آخِرِ حُدُودِ الْخَانِيَّةِ
ــ
[رد المحتار]
آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ وَلَا يُعْفَى عَنْهُ) قَيَّدَهُ فِي الْبَحْرِ بِمَا إذَا كَانَ سُكْرُهُ بِسَبَبٍ مَحْظُورٍ بَاشَرَهُ مُخْتَارًا بِلَا إكْرَاهٍ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْمَجْنُونِ. اهـ. ح. قُلْت: وَمَا جَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ أَيْ إنْ تَابَ سَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ
. (قَوْلُهُ مَنْ ارْتَدَّ) أَيْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَلَوْ أَنَّ الْيَهُودِيَّ تَنَصَّرَ أَوْ تَمَجَّسَ أَوْ النَّصْرَانِيَّ تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَوْدِ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ وَغَيْرِهِ دُرٌّ مُنْتَقًى وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ الْحَاكِمُ) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ الْقَاضِي بَحْرٌ (قَوْلُهُ لِبُلُوغِهِ الدَّعْوَةَ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ وَالدَّعْوَةُ فَاعِلٌ. اهـ. ح. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَعَرْضُ الْإِسْلَامِ هُوَ الدَّعْوَةُ إلَيْهِ وَدَعْوَةُ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَى غَيْرُ وَاجِبَةٍ (قَوْلُهُ بَيَانٌ لِثَمَرَةِ الْعَرْضِ) الظَّاهِرُ أَنَّ ثَمَرَةَ الْعَرْضِ الْإِسْلَامُ وَالنَّجَاةُ مِنْ الْقَتْلِ، وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ ثَمَرَةُ التَّأْجِيلِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّ مَنْ انْتَقَلَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا بُدَّ لَهُ غَالِبًا مِنْ شُبْهَةٍ فَتُكْشَفُ لَهُ إنْ أَبْدَاهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ نَدْبًا) أَيْ وَإِنْ اسْتَمْهَلَ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْهَلُ بِدُونِ اسْتِمْهَالٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ (قَوْلُهُ إنْ اسْتَمْهَلَ) أَيْ بَعْدَ الْعَرْضِ لِلتَّفَكُّرِ قُهُسْتَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِلَّا قَتَلَهُ) أَيْ بَعْدَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَكَشْفِ شُبْهَتِهِ (قَوْلُهُ إلَّا إذَا رُجِيَ إسْلَامُهُ) أَيْ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ، وَهَلْ هُوَ حِينَئِذٍ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يُضْرَبُ إلَخْ) أَيْ إذَا ارْتَدَّ ثَانِيًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ، وَإِنْ ارْتَدَّ ثَالِثًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَحَبَسَهُ حَتَّى تَظْهَرَ عَلَيْهِ آثَارُ التَّوْبَةِ وَيَرَى أَنَّهُ مُخْلِصٌ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ، فَإِنْ عَادَ فَعَلَ بِهِ هَكَذَا بَحْرٌ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة. وَفِي الْفَتْحِ: فَإِنْ ارْتَدَّ بَعْدَ إسْلَامِهِ ثَانِيًا قَبِلْنَا تَوْبَتَهُ أَيْضًا وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا، إلَّا أَنَّ الْكَرْخِيَّ قَالَ: فَإِنْ عَادَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ فِي الْحَالِ وَلَا يُؤَجَّلُ، فَإِنْ تَابَ ضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدُّ ثُمَّ يَحْبِسُهُ وَلَا يُخْرِجُهُ حَتَّى يَرَى عَلَيْهِ خُشُوعَ التَّوْبَةِ وَحَالَ الْمُخْلِصِ فَحِينَئِذٍ يُخَلِّي سَبِيلَهُ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فُعِلَ بِهِ كَذَلِكَ أَبَدًا مَا دَامَ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلَامِ. قَالَ الْكَرْخِيُّ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا إنَّ الْمُرْتَدَّ يُسْتَتَابُ أَبَدًا، وَمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ مَرْوِيٌّ فِي النَّوَادِرِ. قَالَ إذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ يُضْرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا ثُمَّ يُحْبَسُ إلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَرُجُوعُهُ اهـ وَذَلِكَ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى - {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} [التوبة: ٥]- الْآيَةُ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ: لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ كَالزِّنْدِيقِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاللَّيْثِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا يُقْتَلُ غِيلَةً، وَفَسَّرَهُ بِأَنْ يَنْتَظِرَ فَإِذَا أَظْهَرَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ قُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَتَابَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ الِاسْتِخْفَافُ اهـ بِاخْتِصَارٍ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ وَكَذَا ثَالِثًا وَرَابِعًا أَنَّهُ لَوْ اُسْتُمْهِلَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ يُؤَجَّلُ وَلَا يُحْبَسُ بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يُؤَجَّلُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ بَلْ يُقْتَلُ إلَّا إنْ تَابَ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ كَمَا هُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ. وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ يُقْتَلُ وَلَا تَوْبَةَ لَهُ مِثْلُ الزِّنْدِيقِ (قَوْلُهُ عَنْ آخِرِ حُدُودِ الْخَانِيَّةِ) وَنَصُّهُ: وَحُكِيَ أَنَّهُ كَانَ بِبَغْدَادَ نَصْرَانِيَّانِ مُرْتَدَّانِ إذَا أُخِذَا تَابَا وَإِذَا تُرِكَا عَادَا إلَى الرِّدَّةِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ يُقْتَلَانِ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمَا. اهـ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْبَلْخِيّ اخْتَارَ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا يَصِحُّ بِنَاؤُهُ عَلَى رِوَايَةِ النَّوَادِرِ الْمَارَّةِ عَنْ الْفَتْحِ كَمَا لَا يَخْفَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute