(وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا الْعَقْلُ) وَالصَّحْوُ (وَالطَّوْعُ) فَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ مَجْنُونٍ، وَمَعْتُوهٍ وَمُوَسْوِسٍ، وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ وَسَكْرَانَ وَمُكْرَهٍ عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْبُلُوغُ وَالذُّكُورَةُ فَلَيْسَا بِشَرْطٍ بَدَائِعُ. وَفِي الْأَشْبَاهِ لَا تَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ إلَّا الرِّدَّةَ بِسَبِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ــ
[رد المحتار]
لَا يُخْرِجُ الرَّجُلَ مِنْ الْإِيمَانِ إلَّا جُحُودُ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ ثُمَّ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ رِدَّةٌ يُحْكَمُ بِهَا وَمَا يَشُكُّ أَنَّهُ رِدَّةٌ لَا يُحْكَمُ بِهَا إذْ الْإِسْلَامُ الثَّابِتُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ مَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا أَنْ لَا يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ مَعَ أَنَّهُ يَقْضِي بِصِحَّةِ إسْلَامِ الْمُكْرَهِ. أَقُولُ: قَدَّمْت هَذَا لِيَصِيرَ مِيزَانًا فِيمَا نَقَلْته فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ الْمَسَائِلِ، فَإِنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِهَا إنَّهُ كُفْرٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ عَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ مَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى: الْكُفْرُ شَيْءٌ عَظِيمٌ فَلَا أَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا مَتَى وَجَدْت رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ اهـ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهَا: إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ التَّكْفِيرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَمْنَعُ التَّكْفِيرَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ زَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَّا إذَا صَرَّحَ بِإِرَادَةِ مُوجِبِ الْكُفْرِ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ ح وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة: لَا يَكْفُرُ بِالْمُحْتَمَلِ، لِأَنَّ الْكُفْرَ نِهَايَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَيَسْتَدْعِي نِهَايَةً فِي الْجِنَايَةِ وَمَعَ الِاحْتِمَالِ لَا نِهَايَةَ اهـ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِكُفْرِ مُسْلِمٍ أَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَحْمَلٍ حَسَنٍ أَوْ كَانَ فِي كُفْرِهِ اخْتِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً فَعَلَى هَذَا فَأَكْثَرُ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُفْتَى بِالتَّكْفِيرِ فِيهَا وَلَقَدْ أَلْزَمْت نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا اهـ كَلَامُ الْبَحْرِ بِاخْتِصَارٍ
(قَوْلُهُ وَالطَّوْعُ) أَيْ الِاخْتِيَارُ احْتِرَازًا عَنْ الْإِكْرَاهِ وَدَخَلَ فِيهِ الْهَازِلُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُسْتَخِفًّا لِتَعَمُّدِهِ التَّلَفُّظَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهُ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ: إذَا أَطْلَقَ الرَّجُلُ كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَمْدًا، لَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ الْكُفْرَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يَكْفُرُ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَتَعَلَّقُ بِالضَّمِيرِ وَلَمْ يَعْقِدْ الضَّمِيرَ عَلَى الْكُفْرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَكْفُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي لِأَنَّهُ اسْتَخَفَّ بِدِينِهِ. اهـ. ثُمَّ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لِلْكُفْرِ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا كَفَرَ عِنْدَ الْكُلِّ وَلَا اعْتِبَارَ بِاعْتِقَادِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا مُخْطِئًا أَوْ مُكْرَهًا لَا يَكْفُرُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا عَامِدًا عَالِمًا كَفَرَ عِنْدَ الْكُلِّ وَمَنْ تَكَلَّمَ بِهَا اخْتِيَارًا جَاهِلًا بِأَنَّهَا كُفْرٌ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمَعْتُوهٍ) عَزَاهُ فِي النَّهْرِ إلَى السِّرَاجِ، وَهُوَ النَّاقِصُ الْعَقْلِ وَقِيلَ الْمَدْهُوشُ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي إحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فَتَصِحُّ الْعِبَادَاتُ مِنْهُ وَلَا تَجِبُ، وَقِيلَ: هُوَ كَالْمَجْنُونِ وَقِيلَ كَالْبَالِغِ الْعَاقِلِ. اهـ. قُلْت: وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ وَمُقْتَضَاهُ أَنْ تَصِحَّ رِدَّتُهُ لَكِنَّهُ لَا يُقْتَلُ كَمَا هُوَ حُكْمُ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ تَأَمَّلْ.
ثُمَّ رَأَيْت فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ: وَأَمَّا رِدَّةُ الْمَعْتُوهِ فَلَمْ تُذْكَرْ فِي الْكُتُبِ الْمَعْرُوفَةِ قَالَ مَشَايِخُنَا هُوَ فِي حُكْمِ الرِّدَّةِ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَمُوَسْوِسٍ) بِالْكَسْرِ وَلَا يُقَالُ بِالْفَتْحِ وَلَكِنْ مُوَسْوَسٌ لَهُ أَوْ إلَيْهِ أَيْ تُلْقَى إلَيْهِ الْوَسْوَسَةُ، وَقَالَ اللَّيْثُ: الْوَسْوَسَةُ حَدِيثُ النَّفْسِ، وَإِنَّمَا قِيلَ مُوَسْوِسٌ لِأَنَّهُ يُحَدِّثُ بِمَا فِي ضَمِيرِهِ وَعَنْ اللَّيْثِ لَا يَجُوزُ طَلَاقُ الْمُوَسْوِسِ قَالَ: يَعْنِي الْمَغْلُوبَ فِي عَقْلِهِ، وَعَنْ الْحَاكِمِ هُوَ الْمُصَابُ فِي عَقْلِهِ إذَا تَكَلَّمَ يَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ نِظَامٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ) قُدِّرَ عَقْلُهُ فِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ بِأَنْ يَبْلُغَ سَبْعَ سِنِينَ نَهْرٌ وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَسَكْرَانُ) أَيْ وَلَوْ مِنْ مُحَرَّمٍ لِمَا فِي إحْكَامَاتِ الْأَشْبَاهِ أَنَّ السَّكْرَانَ مِنْ مُحَرَّمٍ كَالصَّاحِي إلَّا فِي ثَلَاثٍ: الرِّدَّةُ، وَالْإِقْرَارُ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ، وَالْإِشْهَادُ عَلَى شَهَادَةِ نَفْسِهِ إلَخْ (قَوْلُهُ وَمُكْرَهٍ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى الرِّدَّةِ وَالْمُرَادُ الْإِكْرَاهُ بِمُلْجِئٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ أَوْ ضَرْبٍ مُبَرِّحٍ فَإِنَّهُ يُرَخَّصُ لَهُ أَنْ يُظْهِرَ مَا أُمِرَ بِهِ عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَا تَبِينُ زَوْجَتُهُ اسْتِحْسَانًا كَمَا سَيَجِيءُ فِي بَابِهِ (قَوْلُهُ فَلَيْسَا بِشَرْطٍ) هَذَا فِي الذُّكُورَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا فِي الْبُلُوغِ فَعِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا يَأْتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute