وَالْكُفْرُ لُغَةً: السِّتْرُ. وَشَرْعًا: تَكْذِيبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً وَأَلْفَاظُهُ تُعْرَفُ فِي الْفَتَاوَى، بَلْ أُفْرِدَتْ بِالتَّآلِيفِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُفْتَى بِالْكُفْرِ بِشَيْءٍ مِنْهَا إلَّا فِيمَا اتَّفَقَ الْمَشَايِخُ عَلَيْهِ كَمَا سَيَجِيءُ قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَقَدْ أَلْزَمْت نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْهَا..
ــ
[رد المحتار]
إنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ رُكْنًا (قَوْلُهُ وَالْكُفْرُ لُغَةً السِّتْرُ) وَمِنْهُ سُمِّيَ الْفَلَّاحُ كَافِرًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ وَمِنْهُ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ لِأَنَّهُ سَتَرَ مَا وَجَبَ إظْهَارُهُ.
(قَوْلُهُ تَكْذِيبُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) الْمُرَادُ بِالتَّكْذِيبِ عَدَمُ التَّصْدِيقِ الَّذِي مَرَّ أَيْ عَدَمُ الْإِذْعَانِ وَالْقَبُولِ، لِمَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَرُورَةً، أَيْ عِلْمًا ضَرُورِيًّا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِي كَذَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ نِسْبَةِ الْكَذِبِ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ تَخْصِيصُ الْكُفْرِ بِجَحْدِ الضَّرُورِيِّ فَقَطْ، مَعَ أَنَّ الشَّرْطَ عِنْدَنَا ثُبُوتُهُ عَلَى وَجْهِ الْقَطْعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورِيًّا، بَلْ قَدْ يَكُونُ اسْتِخْفَافًا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ كَمَا مَرَّ، وَلِذَا ذَكَرَ فِي الْمُسَايَرَةِ أَنَّ مَا يَنْفِي الِاسْتِسْلَامَ أَوْ يُوجِبُ التَّكْذِيبَ، فَهُوَ كُفْرٌ فَمَا يَنْفِي الِاسْتِسْلَامَ كُلُّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ، وَمَا ذُكِرَ قَبْلَهُ مِنْ قَتْلِ نَبِيٍّ إذْ الِاسْتِخْفَافُ فِيهِ أَظْهَرُ وَمَا يُوجِبُ التَّكْذِيبَ جَحْدُ كُلِّ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ادِّعَاؤُهُ ضَرُورَةً، وَأَمَّا مَا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الضَّرُورَةِ كَاسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ الْبِنْتِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ الْإِكْفَارَ بِجَحْدِهِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْرِطُوا سِوَى الْقَطْعِ فِي الثُّبُوتِ وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذْ عَلِمَ الْمُنْكِرُ ثُبُوتَهُ قَطْعًا لِأَنَّ مَنَاطَ التَّكْفِيرِ، وَهُوَ التَّكْذِيبُ أَوْ الِاسْتِخْفَافُ عِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا إلَّا أَنْ يَذْكُرَ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ ذَلِكَ فَيَلِجُّ اهـ مَطْلَبٌ فِي مُنْكِرِ الْإِجْمَاعِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِإِنْكَارِ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، وَمِثْلُهُ مَا فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ، أَنَّ مُخَالِفَ الْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمَسَائِلَ الْإِجْمَاعِيَّةَ تَارَةً يَصْحَبُهَا التَّوَاتُرُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ كَوُجُوبِ الْخَمْسِ، وَقَدْ لَا يَصْحَبُهَا فَالْأَوَّلُ يَكْفُرُ جَاحِدُهُ لِمُخَالَفَتِهِ التَّوَاتُرَ لَا لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ. اهـ.
ثُمَّ نَقَلَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ رِسَالَةِ الْفَاضِلِ الشَّهِيرِ حُسَامِ جَلْبِي مِنْ عُظَمَاءِ عُلَمَاءِ السُّلْطَانِ سَلِيمِ بْنِ بَايَزِيدْخَانْ مَا نَصُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ الْآيَةُ أَوْ الْخَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْخَبَرُ مُتَوَاتِرًا، أَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ الْإِجْمَاعُ إجْمَاعَ الْجَمِيعِ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ إجْمَاعَ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ أَوْ كَانَ إجْمَاعَ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا بِأَنْ لَمْ يَثْبُتْ بِطَرِيقِ التَّوَاتُرِ أَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَكِنْ كَانَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا فَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَكُونُ الْجُحُودُ كُفْرًا يَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ نَظَرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فَاحْفَظْ هَذَا الْأَصْلَ فَإِنَّهُ يَنْفَعُك فِي اسْتِخْرَاجِ فُرُوعِهِ حَتَّى تَعْرِفَ مِنْهُ صِحَّةَ مَا قِيلَ، إنَّهُ يَلْزَمُ الْكُفْرُ فِي مَوْضِعِ كَذَا، وَلَا يَلْزَمُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. اهـ. [تَنْبِيهٌ] فِي الْبَحْرِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ الْحَرَامَ حَلَالًا فَإِنْ كَانَ حَرَامًا لِغَيْرِهِ كَمَالِ الْغَيْرِ لَا يَكْفُرُ وَإِنْ كَانَ لِعَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ دَلِيلُهُ قَطْعِيًّا كَفَرَ، وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ التَّفْصِيلُ فِي الْعَالِمِ أَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَرَامِ لِعَيْنِهِ وَلِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ فِي حَقِّهِ أَنَّ مَا كَانَ قَطْعِيًّا كَفَرَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا فَيَكْفُرُ إذَا قَالَ الْخَمْرُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ بَلْ أُفْرِدَتْ بِالتَّآلِيفِ) مِنْ أَحْسَنِ مَا أُلِّفَ فِيهَا مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ نُورِ الْعَيْنِ، وَهُوَ تَأْلِيفٌ مُسْتَقِلٌّ وَمِنْ ذَلِكَ كِتَابُ الْإِعْلَامِ فِي قَوَاطِعِ الْإِسْلَامِ لِابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ ذَكَرَ فِيهِ الْمُكَفِّرَاتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَحَقَّقَ فِيهِ الْمَقَامَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْبَحْرِ جُمْلَةً مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ.
مَطْلَبٌ مَا يُشَكُّ فِي أَنَّهُ رِدَّةٌ لَا يَحْكُمُ بِهَا (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ إلَخْ) سَبَبُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute