للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْعِيسَوِيَّةِ، فَيَكْتَفِي فِي الْأَوَّلَيْنِ بِقَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَفِي الثَّالِثِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَفِي الرَّابِعِ بِأَحَدِهِمَا، وَفِي الْخَامِسِ بِهِمَا مَعَ التَّبَرِّي عَنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ بَدَائِعُ وَآخِرُ كَرَاهِيَةِ الدُّرَرِ،

ــ

[رد المحتار]

وَلَكِنْ كَانُوا لَا يُقِرُّونَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ. قَالَ تَعَالَى - {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات: ٣٥]- اهـ وَهَذَا زَادَهُ فِي الدُّرَرِ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ، وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْبَدَائِعِ أَدْخَلَهُ فِي الثَّنَوِيَّةِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى مَعْبُودًا ثَانِيًا وَهُوَ أَصْنَامُهُمْ فَهُمْ مُنْكِرُونَ لِلْوَحْدَانِيَّةِ كَالْمَجُوسِ وَحُكْمُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَاحِدٌ كَمَا تَعْرِفُهُ (قَوْلُهُ كَالْعِيسَوِيَّةِ) هُمْ قَوْمٌ مِنْ الْيَهُودِ يُنْسَبُونَ إلَى عِيسَى الْأَصْفَهَانِيِّ الْيَهُودِيِّ ح. قُلْت: وَعِبَارَةُ الْبَدَائِعِ: وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ وَتَوْحِيدِهِ وَالرِّسَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ لَكِنَّهُمْ يُنْكِرُونَ عُمُومَ رِسَالَةِ رَسُولِنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.

قَالَ فِي النَّهْرِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ النَّصَارَى بَلْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فِي الْعِرَاقِ يُقَالُ لَهُمْ الْعِيسَوِيَّةُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَيَكْتَفِي فِي الْأَوَّلَيْنِ إلَخْ) عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ: فَإِنْ كَانَ مِنْ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي فَقَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَمْتَنِعُونَ عَنْ الشَّهَادَةِ أَصْلًا، فَإِذَا أَقَرُّوا بِهَا كَانَ ذَلِكَ دَلِيلَ إيمَانِهِمْ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لِأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ فَكَانَ الْإِتْيَانُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَيَّتَهُمَا كَانَتْ دَلَالَةَ الْإِيمَانِ اهـ أَيْ وَيَلْزَمُ مِنْ الْإِيمَانِ بِإِحْدَاهُمَا الْإِيمَانُ بِالْأُخْرَى وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الثَّنَوِيَّةَ يُنْكِرُونَ الرِّسَالَةَ فَهُمْ كَالْوَثَنِيَّةِ، فَيَكْتَفِي فِي الْكُلِّ بِإِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ فَقَالَ: إنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ وَالْمُشْرِكَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ وَالْمُنْكِرَ لِلْوَحْدَانِيَّةِ كَالثَّنَوِيَّةِ إذَا قَالَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَوْ قَالَ أَسْلَمْنَا أَوْ آمَنَّا بِاَللَّهِ اهـ وَذَكَرَ قَبْلَهُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَقَرَّ بِخِلَافِ مَا اعْتَقَدَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَنَحْوُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ لِابْنِ أَبِي شَرِيفٍ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَكْتَفِي الثَّنَوِيُّ وَالْوَثَنِيُّ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِدُونِ تَبَرِّي فَهُوَ عَلَى مَذْهَبِهِ، أَوْ الْمُرَادُ بِهِ إحْدَاهُمَا فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَفِي الثَّالِثِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ) فَلَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرُ الرِّسَالَةِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ، وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ عَنْ هَذِهِ الشَّهَادَةِ فَكَانَ الْإِقْرَارُ بِهَا دَلِيلَ الْإِيمَانِ بَدَائِعُ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْإِتْيَانَ بِالثَّانِيَةِ يَكْفِيهِ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِهِ (قَوْلُهُ وَفِي الرَّابِعِ بِأَحَدِهِمَا) عَلَّلَهُ فِي الدُّرَرِ بِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا، فَبِأَيِّهِمَا شَهِدَ دَخَلَ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ اهـ وَهَذَا التَّعْلِيلُ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ، وَبِهِ صَرَّحَ أَيْضًا فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ، وَزَادَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ فَهُوَ مُسْلِمٌ لِأَنَّ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ لَا يَدَّعُونَ هَذَا الْوَصْفَ لِأَنْفُسِهِمْ بَلْ يَبْرَءُونَ عَلَى قَصْدِ الْمُغَايَظَةِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنَا عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ أَوْ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ أَوْ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الرَّابِعَ دَاخِلٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ، وَالْحُكْمُ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِأَحَدِ اللَّفْظَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَأَنَّ مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُسَايَرَةِ لَا يَدْفَعُ الْمَنْقُولَ عِنْدَنَا فَافْهَمْ. مَبْحَثٌ فِي اشْتِرَاطِ التَّبَرِّي مَعَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ.

(قَوْلُهُ وَفِي الْخَامِسِ بِهِمَا مَعَ التَّبَرِّي إلَخْ) ذَكَرَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي الْمُسَايَرَةِ، أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّبَرِّي لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ لَا لِثُبُوتِ الْإِيمَانِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ لَوْ اعْتَقَدَ عُمُومَ الرِّسَالَةِ وَتَشَهَّدَ فَقَطْ كَانَ مُؤْمِنًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. اهـ. ثُمَّ إنَّ الَّذِي فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى يَتَبَرَّأَ عَنْ الدِّينِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ. وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ: لَا يَكُونُ مُسْلِمًا حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ مَعَ ذَلِكَ وَيُقِرُّ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَبَرَّأَ مِنْ الْيَهُودِيَّةِ وَدَخَلَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، فَإِذَا قَالَ مَعَ ذَلِكَ وَدَخَلْت فِي الْإِسْلَامِ يَزُولُ هَذَا الِاحْتِمَالُ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إذَا قَالَ دَخَلْت.

<<  <  ج: ص:  >  >>