للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحِينَئِذٍ فَيُسْتَفْسَرُ مَنْ جُهِلَ حَالُهُ بَلْ عَمَّمَ فِي الدُّرَرِ اشْتِرَاطَ التَّبَرِّي مِنْ كُلِّ يَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ، وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ وَابْنِ نُجَيْمٍ وَغَيْرِهِمَا. وَفِي رَهْنِ فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ كَذَا أَفْتَى عُلَمَاؤُنَا. وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ صِحَّتُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِلَا تَبَرِّي،

ــ

[رد المحتار]

فِي الْإِسْلَامِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى دُخُولٍ حَادِثٍ مِنْهُ فِي الْإِسْلَامِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ. قُلْت: اشْتِرَاطُ قَوْلِهِ وَدَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا تَبَرَّأَ مِنْ دِينِهِ فَقَطْ، أَمَّا إذَا تَبَرَّأَ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دَيْنَ الْإِسْلَامِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَدَمِ الِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ، فَلِذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّارِحُ مَعَ صِيغَةِ التَّبَرِّي الَّتِي ذَكَرَهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ وَصَرَّحَ بِتَعْمِيمِ الرِّسَالَةِ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ أَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يَكْفِي عَنْ التَّبَرِّي أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ. [تَنْبِيهٌ] قَالَ فِي الْفَتْحِ: إنَّ اشْتِرَاطَ التَّبَرِّي إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا مِنْهُمْ، وَأَمَّا مَنْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَوْ حَمَلَ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَقَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَهُوَ مُسْلِمٌ، أَوْ قَالَ دَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ دِينِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ دَلِيلُ إسْلَامِهِ فَكَيْفَ إذَا أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ضِيقًا، وَقَوْلُهُ هَذَا إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِسْلَامَ الَّذِي يَدْفَعُ عَنْهُ الْقَتْلَ الْحَاضِرَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيُحْكَمُ بِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ. اهـ. قُلْت: وَإِنَّمَا اكْتَفَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ أَهْلَ زَمَنِهِ كَانُوا مُنْكِرِينَ لِرِسَالَتِهِ أَصْلًا كَمَا يَأْتِي.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْعِيسَوِيِّ أَنَّ مَنْ كَانَ كُفْرُهُ بِإِنْكَارِ أَمْرٍ ضَرُورِيٍّ كَحُرْمَةِ الْخَمْرِ مَثَلًا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَبَرُّئِهِ مِمَّا كَانَ يَعْتَقِدُهُ لِأَنَّهُ كَانَ يُقِرُّ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ تَبَرُّئِهِ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ ظَاهِرُ (قَوْلِهِ فَيُسْتَفْسَرُ مَنْ جُهِلَ حَالُهُ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَذَلِكَ، بَلْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُمْ الْعِيسَوِيَّةُ، فَقَالَ: وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَفْسَرَ الْآتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ مِنْهُمْ إنْ جُهِلَ حَالُهُ اهـ أَيْ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ عِيسَوِيٌّ يَعْتَقِدُ تَخْصِيصَ الرِّسَالَةِ بِغَيْرِ بَنِي إسْرَائِيلَ لَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ إلَّا بِالتَّبَرِّي، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ يُنْكِرُهَا مُطْلَقًا اكْتَفَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ بَلْ عَمَّمَ فِي الدُّرَرِ إلَخْ) فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ الْجِهَادِ عَنْ الذَّخِيرَةِ: أَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَكَانَ إسْلَامُهُمْ فِي زَمَنِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ رِسَالَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الْيَوْمَ بِبِلَادِ الْعِرَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِهِمَا مَا لَمْ يَقُلْ تَبَرَّأْت عَنْ دِينِي وَدَخَلْت فِي دِينِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّهُ رَسُولٌ إلَى الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ لَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، كَذَا صَرَّحَ بِهِ مُحَمَّدٌ. اهـ. وَفِي شَرْحِ السِّيَرِ لِلسَّرَخْسِيِّ: وَأَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الْيَوْمَ بَيْنَ ظَهْرَانِي الْمُسْلِمِينَ إذَا أَتَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُمْ جَمِيعًا يَقُولُونَ هَذَا لَيْسَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَلَا يَهُودِيٍّ عِنْدَنَا نَسْأَلُهُ إلَّا قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ، فَإِذَا اسْتَفْسَرْتَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكُمْ لَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا بِهَذَا لِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَدَّعِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ، فَالْمُسْلِمُ هُوَ الْمُسْتَسْلِمُ لِلْحَقِّ، وَكَّلَ ذِي دِينٍ يَدَّعِي أَنَّهُ مُنْقَادٌ لِلْحَقِّ، وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ يَقُولُ إلَّا الْمَجُوسَ فِي دِيَارِنَا فَإِنَّ مَنْ يَقُولُ مِنْهُمْ أَنَا مُسْلِمٌ يَصِيرُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُمْ يَأْبَوْنَ هَذِهِ الصِّفَةَ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَسُبُّونَ بِهِ أَوْلَادَهُمْ وَيَقُولُونَ يَا مُسْلِمَانِ اهـ.

قُلْت: وَمَا عَزَاهُ إلَى شَيْخِهِ يَعْنِي الْإِمَامَ الْحَلْوَانِيَّ جَزَمَ بِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ، وَقَدَّمْنَا عَنْهُ قَرِيبًا فِي الْوَثَنِيِّ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِقَوْلِهِ أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ عَلَى دِينِ مُحَمَّدٍ أَوْ الْحَنِيفِيَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ، فَعَلَى هَذَا يُقَالُ كَذَلِكَ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِي بِلَادِنَا فَإِنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ قَوْلِ أَنَا مُسْلِمٌ، حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ إذَا أَرَادَ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ أَمْرٍ يَقُولُ إنْ فَعَلْته أَكُونُ مُسْلِمًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>