للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبَزَّازِيُّ تَبِعَ صَاحِبَ [السَّيْفِ الْمَسْلُولِ] عَزَاهُ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْزُهُ لِأَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي النُّتَفِ وَمُعِينِ الْحُكَّامِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمُرْتَدِّ وَلَفْظُ النُّتَفِ مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ انْتَهَى.

-

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ وَالْبَزَّازِيُّ تَبِعَ صَاحِبَ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ) الَّذِي قَالَهُ الْبَزَّازِيُّ إنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا، وَلَا تَوْبَةَ لَهُ أَصْلًا، سَوَاءٌ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ، فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ خِلَافٌ لِأَحَدٍ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ إلَى أَنْ قَالَ وَدَلَائِلُ الْمَسْأَلَةِ تُعْرَفُ فِي كِتَابِ [الصَّارِمُ الْمَسْلُولُ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُولِ] اهـ وَهَذَا كَلَامٌ يَقْضِي مِنْهُ غَايَةَ الْعَجَبِ، كَيْفَ يَقُولُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ خِلَافٌ لِأَحَدٍ بَعْدَ مَا وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ صِدْقِ النَّاقِلِينَ عَنْهُمْ كَمَا أَسْمَعْنَاك وَعَزْوُهُ الْمَسْأَلَةَ إلَى كِتَابِ [الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ] وَهُوَ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ الْحَنْبَلِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَصَفَّحْ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْهُ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ قَبُولُ التَّوْبَةِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَكَذَلِكَ صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيُّ فِي السَّيْفِ الْمَسْلُولِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ كَمَا سَمِعْته مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيِّ بِطُولِهَا أَكْثَرُهَا مَأْخُوذٌ مِنْ الشِّفَاءِ.

فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْبَزَّازِيَّ قَدْ تَسَاهَلَ غَايَةَ التَّسَاهُلِ فِي نَقْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْتَهُ حَيْثُ لَمْ يَنْقُلْهَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِنَا بَلْ اسْتَنَدَ إلَى مَا فِي الشِّفَاءِ وَالصَّارِمِ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي الْمُرَاجَعَةِ حَتَّى يَرَى مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي خِلَافِ مَا فَهِمَهُ مِمَّنْ نَقَلَ الْمَسْأَلَةَ عَنْهُمْ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. فَلَقَدْ صَارَ هَذَا التَّسَاهُلُ سَبَبًا لِوُقُوعِ عَامَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْهُ فِي الْخَطَأِ حَيْثُ اعْتَمَدُوا عَلَى نَقْلِهِ وَقَلَّدُوهُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْمَسْأَلَةَ عَنْ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ، بَلْ الْمَنْقُولُ قَبْلَ حُدُوثِ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ الْبَزَّازِيِّ فِي كُتُبِنَا وَكُتُبِ غَيْرِنَا خِلَافُهُ (قَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ فِي النُّتَفِ إلَخْ) أَقُولُ: وَرَأَيْت فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ مَا نَصُّهُ: وَأَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ عَابَهُ أَوْ تَنَقَّصَهُ فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبَانَتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ لَا تُقْتَلُ الْمَرْأَةُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ اهـ وَهَكَذَا نَقَلَ الْخَيْرُ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ أَنَّ الْمَسْطُورَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا رِدَّةٌ، وَحُكْمُهَا حُكْمُهَا، ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ النُّتَفِ وَمُعِينِ الْحُكَّامِ: وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى بِخِلَافِهِ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ. رَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ مَشَايِخِنَا السَّائِحَانِيِّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ حَيْثُ سَمِعَ الْمُصَنِّفُ كَلَامَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الْعَالِ، وَرَأَى هَذِهِ النُّقُولَ كَيْفَ لَا يَشْطُبُ مَتْنَهُ عَنْ ذَلِكَ.

وَقَدْ أَسْمَعَنِي بَعْضُ مَشَايِخِي رِسَالَةً حَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ اهـ وَكَذَلِكَ كَتَبَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الرَّحْمَتِيُّ هُنَا عَلَى نُسْخَتِهِ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الشِّفَاءِ وَابْنِ أَبِي جَمْرَةَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ «إنَّ فَرِيضَةَ الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي» إلَخْ " أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُرْتَدَّ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَمَا نَقَلَهُ هُنَا عَنْ النُّتَفِ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي سَابِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي سَابِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِالْأَوْلَى، فَقَدْ تَحَرَّرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَبُولُ تَوْبَتِهِ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَنَّ تَحَتُّمَ قَتْلِهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَمَا عَدَاهُ فَإِنَّهُ إمَّا نَقْلُ غَيْرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَوْ طُرَّةُ مَجْهُولٍ لَمْ يُعْلَمْ كَاتِبُهَا، فَكُنْ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي الْأَحْكَامِ، وَلَا تَغْتَرَّ بِكُلِّ أَمْرٍ مُسْتَغْرَبٍ وَتَغْفُلْ عَنْ الصَّوَابِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: إنَّ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَشْبَاهِ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ قَدْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَهْلُ عَصْرِهِ وَأَنْ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْفَظُ لِبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. أَمَّا عَلَى طَرِيقَتِنَا فَلَا. اهـ. وَذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِ [نُورِ الْعَيْنِ] أَنَّ الْعَلَّامَةَ النِّحْرِيرَ الشَّهِيرَ بِحُسَامِ جَلْبِي أَلَّفَ رِسَالَةً فِي الرَّدِّ عَلَى الْبَزَّازِيِّ وَقَالَ فِي آخِرِهَا: وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ تَتَبَّعْنَا كُتُبَ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ نَجِدْ الْقَوْلَ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ السَّابِّ عِنْدَهُمْ سِوَى

<<  <  ج: ص:  >  >>