للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الشِّفَاءِ اهـ فَلْيُحْفَظْ. قُلْت: وَظَاهِرُ الشِّفَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ يَا ابْنَ أَلْفِ خِنْزِيرٍ أَوْ يَا ابْنَ مِائَةِ كَلْبٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ لِهَاشِمِيٍّ لَعَنَ اللَّهُ بَنِي هَاشِمٍ كَذَلِكَ وَأَنَّ شَتْمَ الْمَلَائِكَةِ كَالْأَنْبِيَاءِ فَلْيُحَرَّرْ. وَمِنْ حَوَادِثِ الْفَتْوَى مَا لَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِكُفْرِهِ بِسَبِّ نَبِيٍّ هَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ، الظَّاهِرُ نَعَمْ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ أُخْرَى وَإِنْ حَكَمَ بِمُوجِبِهِ نَهْرٌ. قُلْت: ثُمَّ رَأَيْت فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ سُؤَالًا مُلَخَّصُهُ: أَنَّ طَالِبَ عِلْمٍ ذُكِرَ عِنْدَهُ حَدِيثٌ نَبَوِيٌّ فَقَالَ أَكُلُّ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِدْقٌ يُعْمَلُ بِهَا. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَكْفُرُ أَوَّلًا بِسَبَبِ اسْتِفْهَامِهِ الْإِنْكَارِيِّ، وَثَانِيًا بِإِلْحَاقِهِ الشَّيْنَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفِي كُفْرِهِ الْأَوَّلِ عَنْ اعْتِقَادِهِ يُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ الْإِيمَانِ فَلَا يُقْتَلُ، وَالثَّانِي يُفِيدُ الزَّنْدَقَةَ، -.

ــ

[رد المحتار]

مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَقَدْ عَلِمْت بُطْلَانَهُ وَمَنْشَأَ غَلَطِهِ أَوَّلَ الرِّسَالَةِ. اهـ.

وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُحَقِّقِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إذَا تَابَ وَيُكْتَفَى بِتَعْزِيرِهِ، فَهَذَا صَرِيحُ الْمَنْقُولِ عَمَّنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْبَزَّازِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَلَمْ يَسْتَنِدْ هُوَ وَلَا مَنْ تَبِعَهُ إلَى كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِنَّمَا اسْتَنَدَ إلَى فَهْمٍ أَخْطَأَ فِيهِ حَيْثُ نَقَلَ عَمَّنْ صَرَّحَ، بِخِلَافِ مَا فَهِمَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَإِنْ أَرَدْت زِيَادَةَ الْبَيَانِ فِي الْمَقَامِ فَارْجِعْ إلَى كِتَابِنَا تَنْبِيهِ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ (قَوْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ) الْمُرَادُ بِقَبُولِ التَّوْبَةِ فِي الدُّنْيَا بِدَفْعِ الْقَتْلِ عَنْهُ أَمَّا قَبُولُهَا فِي الْآخِرَةِ فَهُوَ مَحَلُّ وِفَاقٍ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ لِأَبِي يُوسُفَ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ (قَوْلُهُ كَذَلِكَ) أَيْ يَكُونُ شَاتِمًا لِنَبِيٍّ، لَكِنَّ قَوْلَهُ يَا ابْنَ مِائَةِ كَلْبٍ، وَإِنْ قَالَهُ لِشَرِيفٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ فَيَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الْمَارُّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَعَدَمِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ لَهُ مِائَةُ أَبٍ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيٌّ. عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ عَلَى أُمِّ الْمَشْتُومِ مِائَةُ كَلْبٍ أَوْ أَلْفُ خِنْزِيرٍ، فَلَا يَدْخُلُ أَجْدَادُهُ فِي ذَلِكَ، وَحَيْثُ احْتَمَلَ التَّأْوِيلَ فَلَا يُحْكَمُ بِالْكُفْرِ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ وَأَنَّ شَتْمَ الْمَلَائِكَةِ كَالْأَنْبِيَاءِ) هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ عِنْدَنَا فَقَالُوا: إذَا شَتَمَ أَحَدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ الْمَلَائِكَةِ كَفَرَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْكُفْرَ بِشَتْمِ الْأَنْبِيَاءِ كُفْرُ رِدَّةٍ فَكَذَا الْمَلَائِكَةُ، فَإِنْ تَابَ فَبِهَا وَإِلَّا قُتِلَ (قَوْلُهُ فَلْيُحَرَّرْ) قَدْ عَلِمْت تَحْرِيرَهُ بِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ هَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ) أَيْ فِي إسْقَاطِ الْقَتْلِ عَنْهُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ أَهْلَ الْمَذْهَبِ قَائِلُونَ بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ فَلَا وَجْهَ لِمَا ذَكَرَهُ. اهـ ط.

وَكَذَا قَالَ الرَّحْمَتِيُّ: قَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَذْهَبًا لِلْحَنَفِيَّةِ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ كُتُبُهُمْ وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ الْأَئِمَّةُ كَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَابْنِ أَبِي جَمْرَةَ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ أُخْرَى إلَخْ) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِكُفْرِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُ عَدَمُ قَبُولِ التَّوْبَةِ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ فِي عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ لِأَنَّ عَدَمَ قَبُولِهَا حَادِثَةٌ أُخْرَى لَمْ يَحْكُمْ بِهَا الْحَنَفِيُّ فَيَسُوغُ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِقَبُولِهَا وَإِنْ قَالَ الْحَنَفِيُّ حَكَمْت بِالْكُفْرِ وَمُوجِبُهُ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكُفْرِ الْقَتْلُ إنْ لَمْ يَتُبْ وَهُوَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَتْلُ أَيْضًا إنْ تَابَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ مُوجِبَاتٌ أُخَرُ مِنْ فَسْخِ النِّكَاحِ وَحَبْطِ الْعَمَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يَكُونُ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ حَكَمْت بِمُوجِبِهِ حُكْمًا بِقَتْلِهِ، وَإِنْ تَابَ فَلِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِعَدَمِ قَتْلِهِ إذَا تَابَ. وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّارِحِ حَيْثُ نَقَلَ صَرِيحَ مَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ الْحَنَفِيَّ كَالشَّافِعِيِّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَيْفَ جَارَى صَاحِبَ النَّهْرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يُبَدِّلَ الْحَنَفِيَّ بِالْمَالِكِيِّ أَوْ الْحَنْبَلِيِّ.

(قَوْلُهُ سُؤَالًا) مَفْعُولُ رَأَيْت. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سُؤَالٌ بِالرَّفْعِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ (قَوْلُهُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَكْفُرُ إلَخْ) قَالَ السَّائِحَانِيُّ: أَقُولُ هَذَا لَا يَصْدُرُ عَنْ أَبِي السُّعُودِ لِأَنَّ كَلَامَ الْقَائِلِ يَحْتَمِلُ أَنَّ كُلَّ الْأَحَادِيثِ الْمَوْجُودَةِ لَيْسَتْ صِدْقًا لِأَنَّ فِيهَا الْمَوْضُوعَ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>