فَبَعْدَ أَخْذِهِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ اتِّفَاقًا فَيُقْتَلُ، وَقَبْلَهُ اُخْتُلِفَ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُقْبَلُ فَلَا يُقْتَلُ وَعِنْدَ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ لَا تُقْبَلُ وَيُقْتَلُ حَدًّا فَلِذَلِكَ وَرَدَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ فِي سَنَةِ ٩٤٤ لِقُضَاةِ الْمَمَالِكِ الْمَحْمِيَّةِ بِرِعَايَةِ رَأْيِ الْجَانِبَيْنِ بِأَنَّهُ إنْ ظَهَرَ صَلَاحُهُ وَحُسْنُ تَوْبَتِهِ وَإِسْلَامِهِ لَا يُقْتَلُ، وَيُكْتَفَى بِتَعْزِيرِهِ وَحَبْسِهِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أُنَاسٍ يُفْهَمُ خَيْرُهُمْ يُقْتَلُ عَمَلًا بِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ، ثُمَّ فِي سَنَةِ ٩٥٥ تَقَرَّرَ هَذَا الْأَمْرُ بِآخَرَ، فَيُنْظَرُ الْقَائِلُ مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ هُوَ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ اهـ فَلْيُحْفَظْ، وَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ
(أَوْ) الْكَافِرُ بِسَبِّ (الشَّيْخَيْنِ أَوْ) بِسَبِّ (أَحَدِهِمَا) فِي الْبَحْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ مَعْزِيًّا لِلشَّهِيدِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ طَعَنَ فِيهِمَا كَفَرَ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَبِهِ أَخَذَ الدَّبُوسِيُّ وَأَبُو اللَّيْثِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى انْتَهَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَشْبَاهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ قَائِلًا: وَهَذَا يُقَوِّي الْقَوْلَ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ سَابِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْإِفْتَاءِ وَالْقَضَاءِ رِعَايَةً لِجَانِبِ حَضْرَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ لَكِنْ فِي النَّهْرِ وَهَذَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي أَصْلِ الْجَوْهَرَةِ، وَإِنَّمَا وُجِدَ عَلَى هَامِشِ بَعْضِ النُّسَخِ، فَأُلْحِقَ بِالْأَصْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ انْتَهَى.
ــ
[رد المحتار]
أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ، وَتَقَدَّمَ عَنْ الدُّرَرِ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ وُجُوهٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ وَوَجْهٌ وَاحِدٌ يَمْنَعُهُ فَعَلَى الْمُفْتِي الْمَيْلُ لِمَا يَمْنَعُهُ وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي: أَيْ إلْحَاقُ الشَّيْنِ يُفِيدُ الزَّنْدَقَةَ. أَقُولُ: لَا إفَادَةَ فِيهِ لِأَنَّ الزَّنْدَقَةَ أَنْ لَا يَتَدَيَّنَ بِدِينٍ اهـ وَكَتَبَ ط نَحْوَهُ (قَوْلُهُ فَبَعْدَ أَخْذِهِ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِهِ صَارَ زِنْدِيقًا. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الزِّنْدِيقَ لَوْ تَابَ قَبْلَ أَخْذِهِ: أَيْ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ إلَى الْحَاكِمِ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عِنْدَنَا وَبَعْدَهُ لَا، اتِّفَاقًا. وَوَرَدَ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ لِلْقُضَاةِ بِأَنْ يُنْظَرَ فِي حَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ إنْ ظَهَرَ حُسْنُ تَوْبَتِهِ يُعْمَلُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَّا فَبِقَوْلِ بَاقِي الْأَئِمَّةِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ مَشْهُورِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَهُوَ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الزِّنْدِيقِ عِنْدَهُمْ، وَتَبِعَهُ الْبَزَّازِيُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ، وَكَذَا تَبِعَهُ فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ صَرِيحَ مَذْهَبِنَا خِلَافُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ وَلْيَكُنْ التَّوْفِيقُ) أَيْ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ النُّتَفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ عَلَى مَا إذَا تَابَ قَبْلَ أَخْذِهِ، وَحُمِلَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَلَى مَا بَعْدَ أَخْذِهِ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا التَّوْفِيقَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِتَصْرِيحِ عُلَمَائِنَا بِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ حُكْمَ الْمُرْتَدِّ غَيْرُ حُكْمِ الزِّنْدِيقِ وَلَمْ يُفَصِّلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذَا التَّفْصِيلَ؛ وَلِأَنَّ الْبَزَّازِيَّ وَمَنْ تَابَعَهُ قَالُوا إنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ أَصْلًا سَوَاءٌ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، فَعُلِمَ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُخْتَلِفَانِ، بَلْ مَذْهَبَانِ مُتَبَايِنَانِ. عَلَى أَنَّ الزِّنْدِيقَ الَّذِي لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَعْدَ الْأَخْذِ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالزَّنْدَقَةِ الدَّاعِي إلَى زَنْدَقَتِهِ كَمَا يَأْتِي، وَمَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ كَلِمَةُ الشَّتْمِ مَرَّةً عَنْ غَيْظٍ أَوْ نَحْوِهِ لَا يَصِيرُ زِنْدِيقًا بِهَذَا الْمَعْنَى
. (قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ) قُلْت: الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَذْهَبِ فَإِنَّ اتِّبَاعَنَا لَهُ وَاجِبٌ ط (قَوْلُهُ رِعَايَةً لِجَانِبِ حَضْرَةِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَقُولُ: رِعَايَةُ جَانِبِهِ فِي اتِّبَاعِ مَا ثَبَتَ عَنْهُ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) قَالَ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ: حُكِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ نُجَيْمٍ أَنَّ أَخَاهُ أَفْتَى بِذَلِكَ فَطَلَبَ مِنْهُ النَّقْلَ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا عَلَى طُرَّةِ الْجَوْهَرَةِ وَذَلِكَ بَعْدَ حَرْقِ الرَّجُلِ. اهـ. مَطْلَبٌ مُهِمٌّ فِي حُكْمِ سَبِّ الشَّيْخَيْنِ وَأَقُولُ: عَلَى فَرْضِ ثُبُوتِ ذَلِكَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْجَوْهَرَةِ لَا وَجْهَ لَهُ يَظْهَرُ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الْأَنْبِيَاءَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ مَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ بَلْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute