للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: وَيَكْفِينَا مَا مَرَّ مِنْ الْأَمْرِ فَتَدَبَّرْ. -

ــ

[رد المحتار]

عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِيمَا أَعْلَمُ اهـ وَنَقَلَهُ عَنْهُ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ الْأَزْهَرِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْأَشْبَاهِ ط. أَقُولُ: نَعَمْ نَقَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْخُلَاصَةِ أَنَّ الرَّافِضِيَّ إذَا كَانَ يَسُبُّ الشَّيْخَيْنِ وَيَلْعَنُهُمَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ يُفَضِّلُ عَلِيًّا عَلَيْهِمَا فَهُوَ مُبْتَدِعٌ. اهـ.

وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ قَبُولِ التَّوْبَةِ. عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ مُشْكِلٌ، لِمَا فِي الِاخْتِيَارِ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى تَضْلِيلِ أَهْلِ الْبِدَعِ أَجْمَعَ وَتَخْطِئَتِهِمْ وَسَبُّ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَبُغْضُهُ لَا يَكُونُ كُفْرًا، لَكِنْ يُضَلَّلُ إلَخْ. وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْخَوَارِجَ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَيُكَفِّرُونَ الصَّحَابَةَ حُكْمُهُمْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ حُكْمُ الْبُغَاةِ. وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ إلَى أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي نَقْلَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَبَعْضُهُمْ يُكَفِّرُونَ الْبَعْضَ، وَهُوَ مَنْ خَالَفَ بِبِدْعَتِهِ دَلِيلًا قَطْعِيًّا وَنَسَبَهُ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالنَّقْلُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَعْرَفُ بِنَقْلِ كَلَامِ الْمُجْتَهِدِينَ، نَعَمْ يَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَا ذَكَرْنَا اهـ وَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِهِمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا مِنْ قَوْلِهِمْ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ مُلْكٍ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: وَتُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ لِأَنَّهُ يَكُونُ ظَاهِرَ الْفِسْقِ، وَتُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ الْجَبْرُ وَالْقَدَرُ وَالرَّفْضُ وَالْخَوَارِجُ وَالتَّشْبِيهُ وَالتَّعْطِيلُ. اهـ.

وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ يَعْنِي الصَّالِحِينَ مِنْهُمْ وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى قُصُورِ عَقْلِهِ وَقِلَّةِ مُرُوءَتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ مِثْلِهَا لَا يَمْتَنِعْ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ يُخْفِي السَّبَّ اهـ وَلَمْ يُعَلِّلْ أَحَدٌ لِعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ بِالْكُفْرِ كَمَا تَرَى، نَعَمْ اسْتَثْنَوْا الْخَطَّابِيَّةِ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِأَشْيَاعِهِمْ أَوْ لِلْحَالِفِ، وَكَذَا نَصَّ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى قَبُولِ رِوَايَةِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَهَذَا فِيمَنْ يَسُبُّ عَامَّةَ الصَّحَابَةِ وَيُكَفِّرُهُمْ بِنَاءً عَلَى تَأْوِيلٍ لَهُ فَاسِدٍ. فَعُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ أَنَّهُ كَافِرٌ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا سَمِعْت. وَقَدْ أَلَّفَ الْعَلَّامَةُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي رِسَالَةً فِي الرَّدِّ عَلَى الْخُلَاصَةِ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ مَا عُزِيَ إلَى الْجَوْهَرَةِ مِنْ الْكُفْرِ مَعَ عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ عَلَى فَرْضِ وُجُودِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَلَوْ رِوَايَةً ضَعِيفَةً، فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَمِيلَ إلَى عَدَمِ التَّكْفِيرِ، فَكَيْفَ يَمِيلُ هُنَا إلَى التَّكْفِيرِ الْمُخَالِفِ لِلْإِجْمَاعِ فَضْلًا عَنْ مَيْلِهِ إلَى قَتْلِهِ وَإِنْ تَابَ، وَقَدْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْمَذْهَبَ قَبُولُ تَوْبَةِ سَابِّ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَيْفَ سَابُّ الشَّيْخَيْنِ. وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْبَحْرِ حَيْثُ تَسَاهَلَ غَايَةَ التَّسَاهُلِ فِي الْإِفْتَاءِ بِقَتْلِهِ مَعَ قَوْلِهِ: وَقَدْ أَلْزَمْتُ نَفْسِي أَنْ لَا أُفْتِيَ بِشَيْءٍ مِنْ أَلْفَاظِ التَّكْفِيرِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْفَتَاوَى، نَعَمْ لَا شَكَّ فِي تَكْفِيرِ مَنْ قَذَفَ السَّيِّدَةَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَوْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ الصِّدِّيقِ، أَوْ اعْتَقَدَ الْأُلُوهِيَّةَ فِي عَلِيٍّ أَوْ أَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ فِي الْوَحْيِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْكُفْرِ الصَّرِيحِ الْمُخَالِفِ لِلْقُرْآنِ، وَلَكِنْ لَوْ تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا حَرَّرْنَاهُ فِي كِتَابِنَا تَنْبِيهُ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ، وَإِنْ أَرَدْت الزِّيَادَةَ فَارْجِعْ إلَيْهِ وَاعْتَمِدْ عَلَيْهِ فَفِيهِ الْكِفَايَةُ لِذَوِي الدِّرَايَةِ.

(قَوْلُهُ وَيَكْفِينَا إلَخْ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَهَذَا يُقَوِّي الْقَوْلَ إلَخْ وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ الْأَمْرُ السُّلْطَانِيُّ، وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>