للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي الْمَعْرُوضَاتِ الْمَذْكُورَةِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ قَالَ عَنْ فُصُوصِ الْحُكْمِ لِلشَّيْخِ مُحْيِى الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ إنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الشَّرِيعَةِ وَقَدْ صَنَّفَهُ لِلْإِضْلَالِ وَمَنْ طَالَعَهُ مُلْحِدٌ مَاذَا يَلْزَمُهُ؟ أَجَابَ: نَعَمْ فِيهِ كَلِمَاتٌ تُبَايِنُ الشَّرِيعَةَ، وَتَكَلَّفَ بَعْضُ الْمُتَصَلَّفِينَ لِإِرْجَاعِهَا إلَى الشَّرْعِ، لَكِنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّ بَعْضَ الْيَهُودِ افْتَرَاهَا عَلَى الشَّيْخِ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ بِتَرْكِ مُطَالَعَةِ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ، وَقَدْ صَدَرَ أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ بِالنَّهْيِ فَيَجِبُ الِاجْتِنَابُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ انْتَهَى فَلْيُحْفَظْ، وَقَدْ أَثْنَى صَاحِبُ الْقَامُوسِ عَلَيْهِ فِي سُؤَالٍ رُفِعَ إلَيْهِ فِيهِ، فَكَتَبَ اللَّهُمَّ أَنْطِقْنَا بِمَا فِيهِ رِضَاك، الَّذِي أَعْتَقِدُهُ

ــ

[رد المحتار]

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا شَكَّ وَلَا شُبْهَةَ فِي كُفْرِ شَاتِمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي اسْتِبَاحَةِ قَتْلِهِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ إذَا أَسْلَمَ. فَعِنْدَنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْقَبُولُ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَدَمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَتْلَهُ حَدًّا أَوْ لَا. وَأَمَّا الرَّافِضِيُّ سَابُّ الشَّيْخَيْنِ بِدُونِ قَذْفٍ لِلسَّيِّدَةِ عَائِشَةَ وَلَا إنْكَارٍ لِصُحْبَةِ الصِّدِّيقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِكُفْرٍ فَضْلًا عَنْ عَدَمِ قَبُولِ التَّوْبَةِ بَلْ هُوَ ضَلَالٌ وَبِدْعَةٌ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْبُغَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

مَطْلَبٌ فِي حَالِ الشَّيْخِ الْأَكْبَرِ سَيِّدِي مُحْيِي الدِّينِ ابْنِ عَرَبِيٍّ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ (قَوْلُهُ لِلشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ الْعَرَبِيِّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَاتِمِيُّ الطَّائِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ الْعَارِفُ الْكَبِيرُ ابْنُ عَرَبِيٍّ، وَيُقَالُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وُلِدَ سَنَةَ ٥٦٠ وَمَاتَ فِي رَبِيعٍ سَنَةَ ٦٣٦ وَدُفِنَ بِالصَّالِحِيَّةِ. وَحَسْبُك قَوْلُ زَرُّوقٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُحُولِ ذَاكِرِينَ بَعْضَ فَضْلِهِ، هُوَ أَعْرَفُ بِكُلِّ فَنٍّ مِنْ أَهْلِهِ، وَإِذَا أُطْلِقَ الشَّيْخُ الْأَكْبَرُ فِي عُرْفِ الْقَوْمِ فَهُوَ الْمُرَادُ، وَتَمَامُهُ فِي ط عَنْ طَبَقَاتِ الْمُنَاوِيِّ (قَوْلُهُ بَعْضُ الْمُتَصَلَّفِينَ) أَيْ الْمُتَكَلِّفِينَ (قَوْلُهُ لَكِنَّا تَيَقَّنَّا إلَخْ) لَعَلَّ تَيَقُّنَهُ بِذَلِكَ بِدَلِيلٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ بِسَبَبِ عَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مُرَادِ الشَّيْخِ فِيهَا وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا فَتَعَيَّنَ عِنْدَهُ أَنَّهَا مُفْتَرَاةٌ عَلَيْهِ؛ كَمَا وَقَعَ لِلْعَارِفِ الشَّعْرَانِيِّ أَنَّهُ افْتَرَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْحُسَّادِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَشْيَاءَ مُكَفِّرَةً وَأَشَاعَهَا عَنْهُ حَتَّى اجْتَمَعَ بِعُلَمَاءِ عَصْرِهِ وَأَخْرَجَ لَهُمْ مُسَوَّدَةَ كِتَابِهِ الَّتِي عَلَيْهَا خُطُوطُ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا هِيَ خَالِيَةٌ عَمَّا اُفْتُرِيَ عَلَيْهِ هَذَا. وَمَنْ أَرَادَ شَرْحَ كَلِمَاتِهِ الَّتِي اعْتَرَضَهَا الْمُنْكِرُونَ فَلْيَرْجِعْ إلَى كِتَابِ الرَّدِّ الْمَتِينِ عَلَى مُنْتَقِصِ الْعَارِفِ مُحْيِي الدِّينِ لِسَيِّدِي عَبْدِ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيِّ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ الِاحْتِيَاطُ إلَخْ) لِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ افْتِرَاؤُهَا فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَإِلَّا فَلَا يَفْهَمُ كُلُّ أَحَدٍ مُرَادَهُ فِيهَا، فَيَخْشَى عَلَى النَّاظِرِ فِيهَا مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ أَوْ فَهِمَ خِلَافَ الْمُرَادِ. وَلِلْحَافِظِ السُّيُوطِيّ رِسَالَةٌ سَمَّاهَا تَنْبِيهُ الْغَبِيِّ بِتَبْرِئَةِ ابْنِ عَرَبِيٍّ ذَكَرَ فِيهَا أَنَّ النَّاسَ افْتَرَقُوا فِيهِ فِرْقَتَيْنِ: الْفِرْقَةُ الْمُصِيبَةُ تَعْتَقِدُ وِلَايَتَهُ، وَالْأُخْرَى بِخِلَافِهَا. ثُمَّ قَالَ: وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ عِنْدِي فِيهِ طَرِيقَةٌ لَا يَرْضَاهَا الْفِرْقَتَانِ، وَهِيَ اعْتِقَادُ وِلَايَتِهِ وَتَحْرِيمُ النَّظَرِ فِي كُتُبِهِ. فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: نَحْنُ قَوْمٌ يَحْرُمُ النَّظَرُ فِي كُتُبِنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الصُّوفِيَّةَ تَوَاطَئُوا عَلَى أَلْفَاظٍ اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا وَأَرَادُوا بِهَا مَعَانِيَ غَيْرَ الْمَعَانِي الْمُتَعَارَفَةِ مِنْهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، فَمَنْ حَمَلَهَا عَلَى مَعَانِيهَا الْمُتَعَارَفَةِ كَفَرَ؛ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ، وَقَالَ إنَّهُ شَبِيهٌ بِالْمُتَشَابِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالْعَيْنِ وَالِاسْتِوَاءِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَصْلُ الْكِتَابِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ كُلِّ كَلِمَةٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يهدَسَّ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ مُلْحِدٍ أَوْ زِنْدِيقٍ وَثُبُوتُ أَنَّهُ قَصَدَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفَ، وَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَمَنْ ادَّعَاهُ كَفَرَ لِأَنَّهُ مِنْ أُمُورِ الْقَلْبِ الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ سَأَلَ بَعْضُ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ بَعْضَ الصُّوفِيَّةِ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنَّكُمْ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي يُسْتَشْنَعُ ظَاهِرُهَا فَقَالَ غَيْرُهُ: عَلَى طَرِيقِنَا هَذَا أَنْ يَدَّعِيَهُ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ لَيْسَ أَهْلَهُ، وَالْمُتَصَدِّي لِلنَّظَرِ فِي كُتُبِهِ أَوْ إقْرَائِهَا لَمْ يَنْصَحْ نَفْسَهُ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِنْ الْقَاصِرِينَ عَنْ عُلُومِ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ يَضِلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>