للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَدِينُ اللَّهَ بِهِ إنَّهُ كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَيْخَ الطَّرِيقَةِ حَالًا وَعِلْمًا، وَإِمَامَ الْحَقِيقَةِ حَقِيقَةً وَرَسْمًا وَمُحْيِي رُسُومِ الْمَعَارِفِ فِعْلًا وَاسْمًا:

إذَا تَغَلْغَلَ فِكْرُ الْمَرْءِ فِي طَرَفٍ ... مِنْ عِلْمِهِ غَرِقَتْ فِيهِ خَوَاطِرُهُ

عُبَابٌ لَا تُكَدِّرُ الدِّلَاءُ، وَسَحَابٌ تَتَقَاصَى عَنْهُ الْأَنْوَاءُ، كَانَتْ دَعْوَتُهُ تَخْرِقُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ، وَتُفَرَّقُ بَرَكَاتُهُ فَتَمْلَأُ الْآفَاقَ. وَإِنِّي أَصِفُهُ وَهُوَ يَقِينًا فَوْقَ مَا وَصَفْتُهُ، وَنَاطِقٌ بِمَا كَتَبْتُهُ،

ــ

[رد المحتار]

وَيُضِلُّ، وَإِنْ كَانَ عَارِفًا فَلَيْسَ مِنْ طَرِيقَتِهِمْ إقْرَاءُ الْمُرِيدِينَ لِكُتُبِهِمْ، وَلَا يُؤْخَذُ هَذَا الْعِلْمُ مِنْ الْكُتُبِ اهـ مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ: سَمِعْت أَنَّ الْفَقِيهَ الْعَالِمَ الْعَلَّامَةَ عِزَّ الدِّينِ بْنَ عَبْدِ السَّلَامِ كَانَ يَطْعَنُ فِي ابْنِ عَرَبِيٍّ وَيَقُولُ هُوَ زِنْدِيقٌ، فَقَالَ لَهُ يَوْمًا بَعْضُ أَصْحَابِهِ: أُرِيدُ أَنْ تُرِيَنِي الْقُطْبَ فَأَشَارَ إلَى ابْنِ عَرَبِيٍّ، فَقَالَ لَهُ أَنْتَ تَطْعَنُ فِيهِ: فَقَالَ حَتَّى أَصُونَ ظَاهِرَ الشَّرْعِ أَوْ كَمَا قَالَ. وَلِلْمُحَقِّقِ ابْنِ كَمَالٍ بَاشَا فَتْوَى قَالَ فِيهَا بَعْدَ مَا أَبْدَعَ فِي مَدْحِهِ: وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا فُصُوصٌ حُكْمِيَّةٌ وَفُتُوحَاتٌ مَكِّيَّةٌ بَعْضُ مَسَائِلِهَا مَفْهُومُ النَّصِّ وَالْمَعْنَى وَمُوَافِقٌ لِلْأَمْرِ الْإِلَهِيِّ وَالشَّرْعِ النَّبَوِيِّ؛ وَبَعْضُهَا خَفِيٌّ عَنْ إدْرَاكِ أَهْلِ الظَّاهِرِ دُونَ أَهْلِ الْكَشْفِ وَالْبَاطِنِ، وَمَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَامِ يَجِبْ عَلَيْهِ السُّكُوتُ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى - {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} [الإسراء: ٣٦]

- (قَوْلُهُ شَيْخُ الطَّرِيقَةِ حَالًا وَعِلْمًا) الطَّرِيقَةُ: هِيَ السِّيرَةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالسَّالِكِينَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى: مِنْ قَطْعِ الْمَنَازِلِ وَالتَّرَقِّي فِي الْمَقَامَاتِ، وَالْحَالُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ مَعْنًى يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ تَصَنُّعٍ وَلَا اجْتِلَابٍ وَلَا اكْتِسَابٍ، مِنْ طَرَبٍ أَوْ حُزْنٍ، أَوْ قَبْضٍ أَوْ بَسْطٍ، أَوْ هَيْبَةٍ، وَيَزُولُ بِظُهُورِ صِفَاتِ النَّفْسِ سَوَاءٌ تَعَقَّبَهُ الْمِثْلُ أَوْ لَا فَإِذَا دَامَ وَصَارَ مَلَكَةً يُسَمَّى مَقَامًا، فَالْأَحْوَالُ مَوَاهِبُ، وَالْمَقَامَاتُ تَحْصُلُ بِبَذْلِ الْمَجْهُودِ، وَالْعِلْمُ هُوَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ، وَمِنْهُ فِعْلِيٌّ وَهُوَ مَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَيْرِ وَانْفِعَالِيٌّ مَا أُخِذَ مِنْ الْغَيْرِ اهـ مِنْ تَعْرِيفَاتِ السَّيِّدِ الشَّرِيفِ قَدَّسَ سِرَّهُ.

(قَوْلُهُ وَإِمَامُ الْحَقِيقَةِ) هِيَ مُشَاهَدَةُ الرُّبُوبِيَّةِ بِالْقَلْبِ، وَيُقَالُ هِيَ سِرٌّ مَعْنَوِيٌّ لَا حَدَّ لَهُ وَلَا جِهَةَ، وَهِيَ وَالطَّرِيقَةُ وَالشَّرِيعَةُ مُتَلَازِمَةٌ، لِأَنَّ الطَّرِيقَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَهَا ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ؛ فَظَاهِرُهَا الشَّرِيعَةُ وَالطَّرِيقَةُ وَبَاطِنُهَا الْحَقِيقَةُ فَبُطُونُ الْحَقِيقَةِ فِي الشَّرِيعَةِ وَالطَّرِيقَةِ كَبُطُونِ الزُّبْدِ فِي لَبَنِهِ لَا يُظْفَرُ مِنْ اللَّبَنِ بِزُبْدِهِ بِدُونِ مَخْضِهِ، وَالْمُرَادُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إقَامَةُ الْعُبُودِيَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُرَادِ مِنْ الْعَبْدِ اهـ مِنْ الْفُتُوحَاتِ الْإِلَهِيَّةِ لِلْقَاضِي زَكَرِيَّا (قَوْلُهُ حَقِيقَةً وَرَسْمًا) الْحَقِيقَةُ ضِدُّ الْمَجَازِ. وَالرَّسْمُ الْأَثَرُ أَوْ بَقِيَّتُهُ أَوْ مَا لَا شَخْصَ لَهُ مِنْ الْآثَارِ جَمْعُهُ أَرْسُمٌ وَرُسُومٌ قَامُوسٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ الْإِمَامُ مِنْ جِهَةِ الْحَقِيقَةِ وَنَفْسِ الْأَمْرِ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَثَرِ الظَّاهِرِ لِلْبَصَرِ (قَوْلُهُ فِعْلًا وَاسْمًا) أَيْ أَحْيَا آثَارَهَا مِنْ جِهَةِ الْفِعْلِ وَالِاسْمِ حَتَّى صَارَتْ الْمَعَارِفُ فَاعِلَةَ أَفْعَالِهَا وَمَشْهُورَةً بَيْنَ النَّاسِ (قَوْلُهُ إذَا تَغَلْغَلَ إلَخْ) هَذَا بَيْتٌ مِنْ بَحْرِ الْبَسِيطِ. وَالتَّغَلْغُلُ الدُّخُولُ وَالْإِسْرَاعُ. وَالْفِكْرُ: بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ إعْمَالُ النَّظَرِ فِي الشَّيْءِ. وَالْخَاطِرُ: الْهَاجِسُ قَامُوسٌ، وَهُوَ مَا يَخْطُرُ فِي الْقَلْبِ مِنْ تَدْبِيرِ أَمْرٍ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ عُبَابٌ) كَغُرَابٍ مُعْظَمُ السَّيْلِ وَكَثْرَتُهُ وَمَوْجُهُ. وَالدِّلَاءُ جَمْعُ دَلْوٍ: أَيْ لَا يَتَغَيَّرُ بِأَخْذِ الدِّلَاءِ مِنْهُ، لِأَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى أَسْفَلِهِ لِكَثْرَتِهِ (قَوْلُهُ تَتَقَاصَى عَنْهُ الْأَنْوَاءُ) التَّقَاصِي: بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ التَّبَاعُدُ. وَالْأَنْوَاءُ: جَمْعُ نَوْءٍ وَهُوَ النَّجْمُ. وَاسْتِنَاءَهُ: طَلَبُ نَوْئِهِ أَيْ عَطَاءَهُ قَامُوسٌ: أَيْ أَنَّهُ سَحَابٌ تَتَبَاعَدُ عَنْ مَطَرِهِ وَفَيْضِهِ النُّجُومُ الَّتِي يَكُونُ الْمَطَرُ وَقْتَ طُلُوعِهَا، أَوْ تَتَبَاعَدُ عَنْهُ عَطَايَا النَّاسِ: أَيْ لَا تُشْبِهُهُ (قَوْلُهُ الْآفَاقَ) جَمْعُ أُفُقٍ بِضَمٍّ وَبِضَمَّتَيْنِ النَّاحِيَةُ وَمَا ظَهَرَ مِنْ نَوَاحِي الْفَلَكِ قَامُوسٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ يَقِينًا) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ أَيْقَنَهُ، جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ ط (قَوْلُهُ وَنَاطِقٌ بِمَا كَتَبْته) الْمُرَادُ أَنَّهُ مُقِرٌّ بِهِ وَأَنَّ الْقَوْلَ طَابَقَ الْفِعْلَ ط.

<<  <  ج: ص:  >  >>