للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِسَعْيِهَا فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ، ثُمَّ قَالَ (وَ) كَذَا الْكَافِرُ بِسَبَبِ (الزَّنْدَقَةِ) -

ــ

[رد المحتار]

الْإِسْلَامَ. وَالسِّحْرُ فِي نَفْسِهِ حَقٌّ أَمْرٌ كَائِنٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلشَّرِّ وَالضَّرَرِ بِالْخَلْقِ، وَالْوَسِيلَةُ إلَى الشَّرِّ شَرٌّ فَيَصِيرُ مَذْمُومًا. اهـ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ: أَنَّ الْأَوَّلَ مُصَرِّحٌ بِمَا هُوَ كُفْرٌ. وَالثَّانِي لَا يَدْرِي كَيْفَ يَقُولُ كَمَا وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ لِأَنَّهُ جَاحِدٌ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُسْتَتَابُ: أَيْ لَا يُمْهَلُ طَلَبًا لِلتَّوْبَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ فِي دَفْعِ الْقَتْلِ عَنْهُ بَعْدَ أَخْذِهِ كَمَا يَأْتِي دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاسِ كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالْخَنَّاقِ وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الثَّالِثَ وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفُرُ لَكِنَّهُ يُقْتَلُ أَيْضًا لِلِاشْتِرَاكِ فِي الضَّرَرِ، وَأَنَّ تَقْيِيدَ الشَّارِحِ بِكَوْنِهِ كَافِرًا بِسَبَبِ اعْتِقَادِ السِّحْرِ غَيْرُ قَيْدٍ، بَلْ يُقْتَلُ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا أَوْ لَمْ يَكْفُرْ بِاعْتِقَادِهِ، نَعَمْ لَمَّا كَانَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُسْلِمِ الَّذِي ارْتَدَّ قَيَّدَ بِذَلِكَ تَأَمَّلْ. وَعُلِمَ بِهِ وَبِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ عَمَلِ السِّحْرِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ اعْتِقَادٌ أَوْ عَمَلُ مَا هُوَ مُكَفِّرٌ، وَلِذَا نَقَلَ فِي [تَبْيِينِ الْمَحَارِمِ] عَنْ الْإِمَامِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ كُفْرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ خَطَأٌ وَيَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ حَقِيقَتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ رَدَّ مَا لَزِمَ فِي شَرْطِ الْإِيمَانِ فَهُوَ كُفْرٌ وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ أَصْحَابِنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ السِّحْرَ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ كُفْرًا وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ وَقَدَّمْنَا فِي خُطْبَةِ الْكِتَابِ تَعْدَادَ أَنْوَاعِ السِّحْرِ وَتَمَامُ بَيَانِ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ [سَلْ الْحُسَامِ الْهِنْدِيِّ لِنُصْرَةِ مَوْلَانَا خَالِدٍ النَّقْشَبَنْدِيِّ] (قَوْلُهُ لِسَعْيِهَا إلَخْ) أَيْ لَا بِسَبَبِ اعْتِقَادِهَا الَّذِي هُوَ رِدَّةٌ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ لَا تُقْتَلُ عِنْدَنَا، وَمُقَابِلُ الْأَصَحِّ مَا فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهَا لَا تُقْتَلُ بَلْ تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ كَالْمُرْتَدَّةِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ.

مَطْلَبٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وَالْمُنَافِقِ وَالدَّهْرِيِّ وَالْمُلْحِدِ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْكَافِرُ بِسَبَبِ الزِّنْدِيقِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فِي رِسَالَتِهِ: الزِّنْدِيقُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ يَنْفِي الْبَارِيَ تَعَالَى، وَعَلَى مَنْ يُثْبِتُ الشَّرِيكَ، وَعَلَى مَنْ يُنْكِرُ حِكْمَتَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ الْعُمُومُ الْوَجْهِيُّ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُ مُرْتَدًّا، كَمَا لَوْ كَانَ زِنْدِيقًا أَصْلِيًّا غَيْرَ مُنْتَقِلٍ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالْمُرْتَدُّ قَدْ لَا يَكُونُ زِنْدِيقًا كَمَا لَوْ تَنَصَّرَ أَوْ تَهَوَّدَ، وَقَدْ يَكُونُ مُسْلِمًا فَيَتَزَنْدَقُ. وَأَمَّا فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ، فَالْفَرْقُ أَظْهَرُ لِاعْتِبَارِهِمْ فِيهِ إبْطَانَ الْكُفْرِ وَالِاعْتِرَافَ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ، لَكِنَّ الْقَيْدَ الثَّانِيَ فِي الزِّنْدِيقِ الْإِسْلَامِيِّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزِّنْدِيقِ وَالْمُنَافِقِ وَالدَّهْرِيِّ وَالْمُلْحِدِ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي إبْطَانِ الْكُفْرِ أَنَّ الْمُنَافِقَ غَيْرُ مُعْتَرِفٍ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدَّهْرِيَّ كَذَلِكَ مَعَ إنْكَارِهِ إسْنَادَ الْحَوَادِثِ إلَى الصَّانِعِ الْمُخْتَارِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَالْمُلْحِدُ: وَهُوَ مَنْ مَالَ عَنْ الشَّرْعِ الْقَوِيمِ إلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْكُفْرِ، مَنْ أَلْحَدَ فِي الدِّينِ: حَادَ وَعَدَلَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاعْتِرَافُ بِنُبُوَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا بِوُجُودِ الصَّانِعِ تَعَالَى وَبِهَذَا فَارَقَ الدَّهْرِيَّ أَيْضًا، وَلَا إضْمَارَ الْكُفْرِ وَبِهِ فَارَقَ الْمُنَافِقَ، وَلَا سَبَقَ الْإِسْلَامَ وَبِهِ فَارَقَ الْمُرْتَدَّ، فَالْمُلْحِدُ أَوْسَعُ فِرَقِ الْكُفْرِ حَدًّا: أَيْ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْكُلِّ اهـ مُلَخَّصًا. قُلْتُ: لَكِنَّ الزِّنْدِيقَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُسْلِمًا وَقَدْ يَكُونُ كَافِرًا مِنْ الْأَصْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاعْتِرَافُ بِالنُّبُوَّةِ وَسَيَأْتِي عَنْ الْفَتْحِ تَفْسِيرُهُ بِمَنْ لَا يَتَدَيَّنُ بِدِينٍ. ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الزِّنْدِيقِ فَقَالَ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو، إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا دَاعِيًا إلَى الضَّلَالِ أَوْ لَا. وَالثَّانِي مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ زِنْدِيقًا مِنْ الْأَصْلِ عَلَى الشِّرْكِ، أَوْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَيَتَزَنْدَقَ، أَوْ يَكُونَ ذِمِّيًّا فَيَتَزَنْدَقَ، فَالْأَوَّلُ يُتْرَكُ عَلَى شِرْكِهِ إنْ كَانَ مِنْ الْعَجَمِ، أَيْ بِخِلَافِ مُشْرِكِ الْعَرَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>