فَجْرٍ خَافَ فَوْتَهَا وَحْدَهَا، وَلِنَوْمٍ وَسَلَامٍ وَرَدِّهِ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَكَذَا لِكُلِّ مَا لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ؛ لِمَا فِي الْمُبْتَغَى. وَجَازَ لِدُخُولِ مَسْجِدٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَلِلنَّوْمِ فِيهِ وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ، لَكِنْ فِي النَّهْرِ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُبْتَغَى لِلْجُنُبِ فَسَقَطَ الدَّلِيلُ.
ــ
[رد المحتار]
الضُّحَى عَنْهُ وَعَنْ الْوُضُوءِ فَيَتَيَمَّمُ لَهُ (قَوْلُهُ وَخَافَ فَوْتَهَا وَحْدَهَا) أَيْ فَيَتَيَمَّمُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِمَا؛ أَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَا؛ لِأَنَّهَا إذَا فَاتَتْهُ لِاشْتِغَالِهِ بِالْفَرِيضَةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ يَقْضِيهَا بَعْدَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقْضِيهَا أَصْلًا بَحْرٌ.
وَصُورَةُ فَوْتِهَا وَحْدَهَا لَوْ وَعَدَهُ شَخْصٌ بِالْمَاءِ أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِنَزْحِهِ لَهُ مِنْ بِئْرٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَهُ لَا يُدْرِكُ سِوَى الْفَرْضِ يَتَيَمَّمُ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ لِلْفَرْضِ وَيُصَلِّي قَبْلَ الطُّلُوعِ، وَصَوَّرَهَا شَيْخُنَا بِمَا إذَا فَاتَتْ مَعَ الْفَرْضِ وَأَرَادَ قَضَاءَهَا وَلَمْ يَبْقَ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ مِقْدَارُ الْوُضُوءِ وَصَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّيهَا قَبْلَ الزَّوَالِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى بَعْدَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي الْفَرْضَ بَعْدَهُ، وَذَكَرَ لَهَا ط صُورَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ (قَوْلُهُ وَلِنَوْمٍ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ، وَلِمَا قَرَّرَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ يَجُوزُ لِكُلِّ عِبَادَةٍ تَحِلُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ وَلِكُلِّ عِبَادَةٍ تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ، وَبَيْنَ الْقَاعِدَتَيْنِ عُمُومٌ وَجْهِيٌّ يَجْتَمِعَانِ فِي رَدِّ السَّلَامِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ وَيَفُوتُ لَا إلَى الْخَلَفِ، وَتَنْفَرِدُ الْأُولَى فِي مِثْلِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمُحْدِثِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ، وَتَنْفَرِدُ الثَّانِيَةُ فِي مِثْلِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا تَفُوتُ لَا إلَى خَلَفٍ وَلَا تَحِلُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ ح، لَكِنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُولَى مَحَلُّ بَحْثٍ كَمَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ) أَيْ فَيَقَعُ طَهَارَةً لِمَا نَوَاهُ لَهُ فَقَطْ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَهُ جِهَتَانِ: جِهَةُ صِحَّتِهِ فِي ذَاتِهِ، وَجِهَةُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِهِ، فَالثَّانِيَةُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ، وَعَلَى نِيَّةِ عِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ لَا تَصِحُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. وَأَمَّا الْأُولَى فَتَحْصُلُ بِنِيَّةِ أَيِّ عِبَادَةٍ كَانَتْ، سَوَاءٌ كَانَتْ مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ كَالصَّلَاةِ وَكَالْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ، أَوْ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ كَذَلِكَ كَدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْجُنُبِ، أَوْ تَحِلُّ بِدُونِهَا كَدُخُولِهِ لِلْمُحْدِثِ، أَوْ مَقْصُودَةً وَتَحِلُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ كَالْقِرَاءَةِ لِلْمُحْدِثِ، فَالتَّيَمُّمُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ صَحِيحٌ فِي ذَاتِهِ كَمَا أَوْضَحَهُ ح (قَوْلُهُ وَكَذَا لِكُلِّ مَا لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَهَذِهِ إحْدَى الْقَاعِدَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ، وَفِيهَا نَظَرٌ سَيَظْهَرُ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ فِي النَّهْرِ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى اسْتِدْلَالِ الْبَحْرِ بِعِبَارَةِ الْمُبْتَغَى عَلَى إحْدَى الْقَاعِدَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ، وَهِيَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لِكُلِّ عِبَادَةٍ تَحِلُّ بِدُونِ الطَّهَارَةِ.
وَبَيَانُ الِاسْتِدْرَاكِ أَنَّ الدَّلِيلَ إنَّمَا يَتِمُّ بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ الدُّخُولِ لِلْمُحْدِثِ لِيَكُونَ مِمَّا لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ، وَإِذَا كَانَ مُرَادُهُ الْجُنُبَ سَقَطَ الدَّلِيلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الدُّخُولُ بِدُونِهَا، لَكِنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ الْجُنُبَ نَظَرَ فِيهِ الْعَلَّامَةُ ح بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْ لِعَدَمِ جَوَازِ دُخُولِهِ جُنُبًا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ خَارِجَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ دَاخِلَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ عِبَارَتِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَلِلنَّوْمِ فِيهِ. اهـ وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُبْتَغَى دُخُولُ الْمُحْدِثِ فَيَتِمُّ الدَّلِيلُ.
لَكِنْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ مُرَادَ الْمُبْتَغَى أَنَّ الْجُنُبَ إذَا وَجَدَ مَاءً فِي الْمَسْجِدِ وَأَرَادَ دُخُولَهُ لِلِاغْتِسَالِ يَتَيَمَّمُ وَيَدْخُلُ، وَلَوْ كَانَ نَائِمًا فِيهِ فَاحْتَلَمَ وَالْمَاءُ خَارِجَهُ وَخَشِيَ مِنْ الْخُرُوجِ يَتَيَمَّمُ وَيَنَامُ فِيهِ إلَى أَنْ يُمْكِنَهُ الْخُرُوجُ. قَالَ فِي الْمُنْيَةِ: وَإِنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ تَيَمَّمَ لِلْخُرُوجِ إذَا لَمْ يَخَفْ، وَإِنْ خَافَ يَجْلِسُ مَعَ التَّيَمُّمِ وَلَا يُصَلِّي وَلَا يَقْرَأُ. اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute