قُلْت: وَفِي الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا: تَيَمُّمُهُ لِدُخُولِ مَسْجِدٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ هُوَ عَدَمٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِعِبَادَةٍ يَخَافُ فَوْتَهَا، لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ عَنْ الْمُخْتَارِ: الْمُخْتَارُ جَوَازُهُ مَعَ الْمَاءِ لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ، لَكِنْ سَيَجِيءُ تَقْيِيدُهُ بِالسَّفَرِ لَا الْحَضَرِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي الشِّرْعَةِ وَشُرُوحِهَا مَا يُؤَيِّدُ كَلَامَ الْبَحْرِ، قَالَ: فَظَاهِرُ الْبَزَّازِيَّةِ جَوَازُهُ لِتِسْعٍ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ. قُلْت: بَلْ لِعَشْرٍ بَلْ أَكْثَرُ، لِمَا مَرَّ مِنْ الضَّابِطِ
ــ
[رد المحتار]
وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ أَنَّ نَفْسَ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ لَيْسَ عِبَادَةً حَتَّى يَتَيَمَّمَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ مُكْثِهِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ لِأَجْلِ مَشْيِهِ فِيهِ لِلْخُرُوجِ (قَوْلُهُ قُلْت إلَخْ) اعْتِرَاضٌ عَلَى الْبَحْرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمُنْيَةِ شَامِلَةٌ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ لِلْمُحْدِثِ وَهُوَ مِمَّا لَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ فَيُنَافِي مَا فِي الْبَحْرِ، لَكِنْ أَجَابَ ح بِتَخْصِيصِ الدُّخُولِ بِالْجُنُبِ فَلَا تَنَافِيَ. أَقُولُ: وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ، وَلِذَا عَلَّلَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بِمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَعَلَّلَهُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا يَجُوزُ، وَيُعْتَبَرُ فِي الشَّرْحِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا يَجُوزُ. اهـ. فَيُفِيدُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَمَّا لَمْ تُشْتَرَطْ لَهُ الطَّهَارَةُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إلَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَخَافُ فَوْتَهُ لَا إلَى بَدَلٍ، فَلَوْ تَيَمَّمَ الْمُحْدِثُ لِلنَّوْمِ أَوْ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ فَهُوَ لَغْوٌ، بِخِلَافِ تَيَمُّمِهِ لِرَدِّ السَّلَامِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ يَخَافُ فَوْتَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَلِذَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهَذَا الَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَخْ) اسْتِدْرَاكٌ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ مَا تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ لَا يَتَيَمَّمُ لَهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ، وَعَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ لَا يَخَافُ فَوْتَهَا لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا ط. قَالَ ح: وَهُوَ نَقْلٌ ضَعِيفٌ مُصَادِمٌ لِلْقَاعِدَةِ؛ لِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ لَا تَحِلُّ إلَّا بِالطَّهَارَةِ وَتَفُوتُ إلَى خَلَفٍ. اهـ.
أَقُولُ: بَلْ لَا تَفُوتُ؛ لِأَنَّهَا لَا وَقْتَ لَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا نَقَلَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَيْضًا عَنْ الْقُدُورِيِّ فِي شَرْحِهِ أَنَّهَا لَا يَتَيَمَّمُ لَهَا، وَعَلَّلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِمَا قُلْنَا (قَوْلُهُ لَكِنْ سَيَجِيءُ) أَيْ فِي الْفُرُوعِ، وَهَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الِاسْتِدْرَاكِ، وَهَذَا التَّقْيِيدُ مَذْكُورٌ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَيْضًا بَعْدَ وَرَقَتَيْنِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْأَصْلِ مُعَلَّلًا بِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي الْحَضَرِ: أَيْ لِوُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ بِخِلَافِ السَّفَرِ؛ فَأَفَادَ أَنَّ جَوَازَهُ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ، فَيُنَافِي مَا نَقَلَهُ عَنْ الْمُخْتَارِ مِنْ جَوَازِهِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى فَافْهَمْ (قَوْلُهُ فِي الشِّرْعَةِ) أَيْ شِرْعَةِ الْإِسْلَامِ لِلْعَلَّامَةِ أَبِي بَكْرٍ الْبُخَارِيِّ ط (قَوْلُهُ وَشُرُوحِهَا) رَأَيْت ذَلِكَ مَنْقُولًا فِي شَرْحِ الْفَاضِلِ عَلِيٍّ زَادَهْ ط (قَوْلُهُ قَالَ) أَيْ فِي الشِّرْعَةِ وَشُرُوحِهَا (قَوْلُهُ فَظَاهِرُ الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْبَزَّازِيَّةِ: وَلَوْ تَيَمَّمَ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ أَوْ مِنْ الْمُصْحَفِ أَوْ لِمَسِّهِ أَوْ لِدُخُولِ الْمَسْجِدِ أَوْ خُرُوجِهِ أَوْ لِدَفْنٍ أَوْ لِزِيَارَةِ قَبْرٍ أَوْ الْأَذَانِ أَوْ الْإِقَامَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَلَوْ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ. اهـ. فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْجَوَازِ أَيْ عَدَمِ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهِ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ صِحَّتِهِ فِي نَفْسِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا التَّيَمُّمَ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا يَصِحُّ أَصْلًا، وَلِمَا مَرَّ عَنْ الْمُنْيَةِ وَشَرْحِهَا مِنْ أَنَّهُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ بَلْ هُوَ عَدَمٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ دَلِيلٍ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهَا كَمَا عَلِمْت، وَأَمَّا عِبَارَةُ الْمُبْتَغَى فَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهَا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الصِّحَّةِ إلَّا فِيمَا يَخَافُ فَوْتَهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ قَبْلُ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ) ؛ لِأَنَّ جَوَازَهَا بِهِ يُشْتَرَطُ لَهُ فَقْدُ الْمَاءِ أَوْ خَوْفُ الْفَوْتِ لَا إلَى بَدَلٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْوِيُّ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا تَصِحُّ بِدُونِ طَهَارَةٍ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ.
(قَوْلُهُ قُلْت بَلْ لِعَشْرٍ إلَخْ) مِنْ هُنَا إلَى قَوْلِهِ قُلْت وَظَاهِرُهُ سَاقِطٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute