للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ بِلَا إيمَانٍ خُلِّدَ فِي النَّارِ نَهْرٌ وَفِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ:

بِدَرْوِيشِ دَرْوِيشَانِ كَفَّرَ بَعْضُهُمْ ... وَصَحَّحَ أَنْ لَا كُفْرَ وَهْوَ الْمُحَرَّرُ

كَذَا قَوْلُ شَيْ لِلَّهِ قِيلَ بِكُفْرِهِ ... وَيَا حَاضِرٌ يَا نَاظِرٌ لَيْسَ يَكْفُرُ

وَمَنْ يَسْتَحِلُّ الرَّقْصَ قَالُوا بِكُفْرِهِ ... وَلَا سِيَّمَا بِالدُّفِّ يَلْهُو وَيَزْمُرُ

ــ

[رد المحتار]

بَعْدَ الْبَعْثَةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَجِبُ حَمْلُ الْوُجُوبِ فِي قَوْلِ الْإِمَامِ لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى مَعْنَى يَنْبَغِي، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِهِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْعَقْلِ.

مَطْلَبٌ فِي مَعْنَى دَرْوِيشٍ دَرْوِيشَانِ (قَوْلُهُ كَفَّرَ بَعْضُهُمْ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ جَمِيعُ الْأَشْيَاءِ مُبَاحَةٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَا تَجُوزُ إبَاحَتُهُ فَيَكُونُ مُبِيحَ الْحَرَامِ وَهُوَ كُفْرٌ وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَسْكَنَةُ الْمَسَاكِينِ أَوْ فَقْرُ الْفُقَرَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ تَمَسَّكْنَا بِمَسْكَنَةِ الْمَسَاكِينِ أَوْ افْتَقَرْنَا إلَيْكَ بِفَقْرِ الْفُقَرَاءِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ قَطُّ عَلَى مَا ذُكِرَ، كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَنَازَعَهُ فِي [نُورِ الْعَيْنِ] بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمَعْنَى هُوَ مَعْنَاهُ الْوَضْعِيُّ أَمَّا الْعُرْفِيُّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ اصْطِلَاحُ الْمَلَاحِدَةِ والقلندرية فَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ مُبَاحَةٌ لَكَ. فَالْحَقُّ أَنْ يَكْفُرَ الْقَائِلُ إنْ كَانَ مِنْ تِلْكَ الْفِئَةِ، أَوْ أَرَادَ مَا أَرَادُوهُ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ مَعْنَاهُ لَكِنَّهُ قَالَهُ تَقْلِيدًا وَتَشْبِيهًا بِهِمْ أَوْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ فَيُجَدِّدُ وُجُوبًا أَوْ احْتِيَاطًا إيمَانَهُ، وَإِنْ قَالَهُ غَيْرُ عَالِمٍ وَلَا مُتَأَمِّلٍ فَهُوَ مُخْطِئٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُرَخِّصَ فِي التَّكَلُّمِ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ اهـ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ قِيلَ بِكُفْرِهِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ طَلَبَ شَيْئًا لِلَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالْكُلُّ مُفْتَقِرٌ وَمُحْتَاجٌ إلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَجِّحَ عَدَمَ التَّكْفِيرِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ أَرَدْتُ أَطْلُبُ شَيْئًا إكْرَامًا لِلَّهِ تَعَالَى. اهـ. شَرْحُ الْوَهْبَانِيَّةِ. قُلْتُ: فَيَنْبَغِي أَوْ يَجِبُ التَّبَاعُدُ عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَا فِيهِ خِلَافٌ يُؤْمَرُ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَتَجْدِيدِ النِّكَاحِ، لَكِنَّ هَذَا إنْ كَانَ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، أَمَّا إنْ قَصَدَ الْمَعْنَى الصَّحِيحَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ (قَوْلُهُ لَيْسَ يَكْفُرُ) فَإِنَّ الْحُضُورَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ شَائِعٌ - {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: ٧]- وَالنَّظَرُ بِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ - {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: ١٤]- فَالْمَعْنَى يَا عَالِمَ مَنْ يَرَى بَزَّازِيَّةٌ. مَطْلَبٌ فِي مُسْتَحِلِّ الرَّقْصِ (قَوْلُهُ وَمَنْ يَسْتَحِلُّ الرَّقْصَ قَالُوا بِكُفْرِهِ) الْمُرَادُ بِهِ التَّمَايُلُ وَالْخَفْضُ وَالرَّفْعُ بِحَرَكَاتٍ مَوْزُونَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى التَّصَوُّفِ.

وَقَدْ نَقَلَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ إجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ عَلَى حُرْمَةِ هَذَا الْغِنَاءِ وَضَرْبِ الْقَضِيبِ وَالرَّقْصِ. قَالَ وَرَأَيْتُ فَتْوَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ جَلَالِ الْمِلَّةِ وَالدِّينِ الْكَرْمَانِيِّ أَنَّ مُسْتَحِلَّ هَذَا الرَّقْصِ كَافِرٌ، وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ. وَنَقَلَ فِي نُورِ الْعَيْنِ عَنْ التَّمْهِيدِ أَنَّهُ فَاسِقٌ لَا كَافِرٌ. ثُمَّ قَالَ: التَّحْقِيقُ الْقَاطِعُ لِلنِّزَاعِ فِي أَمْرِ الرَّقْصِ وَالسَّمَاعِ يَسْتَدْعِي تَفْصِيلًا ذَكَرَهُ فِي عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ وَإِحْيَاءِ الْعُلُومِ، وَخُلَاصَتُهُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعَلَّامَةُ النِّحْرِيرُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِقَوْلِهِ:

مَا فِي التَّوَاجُدِ إنْ حَقَّقْتَ مِنْ حَرَجٍ ... وَلَا التَّمَايُلِ إنْ أَخْلَصْتَ مِنْ بَاسِ

فَقُمْتَ تَسْعَى عَلَى رِجْلٍ وَحُقَّ لِمَنْ ... دَعَاهُ مَوْلَاهُ أَنْ يَسْعَى عَلَى الرَّاسِ

الرُّخْصَةُ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الْأَوْضَاعِ، عِنْدَ الذِّكْرِ وَالسَّمَاعِ، لِلْعَارِفَيْنِ الصَّارِفِينَ أَوْقَاتَهُمْ إلَى أَحْسَنِ الْأَعْمَالِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>