للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْت: وَقَدْ رَأَيْت نَقْلَهُ. وَيُؤَيِّدُهُ " أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عَرَضَ الْإِسْلَامَ عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَسِنُّهُ سَبْعٌ» وَكَانَ يَفْتَخِرُ بِهِ، حَتَّى قَالَ:

سَبَقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ طُرًّا ... غُلَامًا مَا بَلَغْتُ أَوَانَ حُلْمِي

وَسُقْتُكُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَهْرًا ... بِصَارِمِ هِمَّتِي وَسِنَانِ عَزْمِي

ثُمَّ هَلْ يَقَعُ فَرْضًا قَبْلَ الْبُلُوغِ؟ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ اتِّفَاقًا. وَفِي التَّحْرِيرِ: الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمَاتُرِيدِيِّ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِأَدَاءِ الْإِيمَانِ كَالْبَالِغِ،

ــ

[رد المحتار]

مَثَلًا حَسَنٌ وَالْكَذِبَ قَبِيحٌ يُلَامُ فَاعِلُهُ، وَأَنَّ الْعَسَلَ حُلْوٌ وَالصَّبْرَ مُرٌّ؛ وَمَعْنَى كَوْنِهِ بِحَيْثُ يُنَاظَرُ أَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُسْلِمَ فِي الْجَنَّةِ وَالْكَافِرَ فِي النَّارِ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ لَا يَنْبَغِي لَك أَنْ تُخَالِفَ دِينَ أَبَوَيْك يَقُولُ نَعَمْ لَوْ كَانَ دِينُهُمَا حَقًّا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ ابْنَ سَبْعٍ لَا يَعْقِلُ ذَلِكَ غَالِبًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمُنَاظَرَةَ وَلَوْ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَدَفَعَ إلَى الْبَائِعِ الثَّمَنَ وَامْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ قَائِلًا لَا أُسَلِّمُهُ إلَّا إلَى أَبِيكَ لِأَنَّكَ قَاصِرٌ فَيَقُولُ لَهُ لِمَ أَخَذْتَ مِنِّي الثَّمَنَ؛ فَإِنْ لَمْ تُسَلِّمْنِي الْمَبِيعَ ادْفَعْ لِي الثَّمَنَ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ يَقَعُ مِنْ ابْنِ سَبْعٍ غَالِبًا، وَعَلَيْهِ يَتَّحِدُ الْقَوْلَانِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَقَدْ رَأَيْتَ) بِفَتْحِ تَاءِ الْمُخَاطَبِ (قَوْلُهُ وَسِنُّهُ سَبْعٌ) وَقِيلَ ثَمَانٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُرْوَةَ، وَقِيلَ عَشْرٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَقِيلَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَتَمَامُ ذَلِكَ مَبْسُوطٌ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الصِّبْيَانِ الْأَحْرَارِ، وَمِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ أَبُو بَكْرٍ، وَمِنْ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنْ الْمَوَالِي زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَتَمَامُ تَحْقِيقِ ذَلِكَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى وَنَقَلَ عِبَارَتَهُ الْمُحَشِّيُّ (قَوْلُهُ حَتَّى قَالَ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْقَامُوسِ فِي مَادَّةِ وَدَقَ.

قَالَ الْمَازِنِيُّ: لَمْ يَصِحَّ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ الشِّعْرِ غَيْرَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ

تِلْكُمْ قُرَيْشٌ تَمُنَّانِي لِتَقْتُلَنِي

إلَخْ وَصَوَّبَهُ الزَّمَخْشَرِيُ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ مَا هُنَا إلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ (قَوْلُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَعَمْ اتِّفَاقًا) فَائِدَةُ وُقُوعِهِ فَرْضًا عَدَمُ فَرِيضَةِ تَجْدِيدِ إقْرَارٍ آخَرَ بَعْدَ الْبُلُوغِ. قَالَ فِي الْفَتْحِ: وَمُقْتَضَى الدَّلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ. ثُمَّ قَالَ: لَكِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى الصَّبِيِّ بَلْ يَقَعُ فَرْضًا قَبْلَ الْبُلُوغِ. أَمَّا عِنْدَ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ أَصْلُ الْوُجُوبِ بِهِ عَلَى الصَّبِيِّ بِالسَّبَبِ وَهُوَ حُدُوثُ الْعَالَمِ وَعَقْلِيَّةُ دَلَالَتِهِ دُونَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لِأَنَّهُ بِالْخِطَابِ وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، فَإِذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّبَبِ وَقَعَ الْفَرْضُ كَتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ. وَأَمَّا عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَا وُجُوبَ أَصْلًا لِعَدَمِ حُكْمِهِ، وَهُوَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ وُجِدَ، فَصَارَ كَالْمُسَافِرِ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ يَسْقُطُ فَرْضُهُ، وَلَيْسَتْ الْجُمُعَةُ فَرْضًا عَلَيْهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ لِلتَّرْفِيهِ عَلَيْهِ بَعْدَ سَبَبِهَا فَإِذَا فَعَلَ تَمَّ اهـ.

مَطْلَبٌ هَلْ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْإِيمَانُ (قَوْلُهُ وَفِي التَّحْرِيرِ إلَخْ) هَذَا قَوْلٌ ثَالِثٌ. وَعِبَارَةُ التَّحْرِيرِ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ: وَعَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ وَكَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَالْمُعْتَزِلَةِ إنَاطَةُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهِ أَيْ بِعَقْلِ الصَّبِيِّ وَعِقَابِهِ بِتَرْكِهِ. وَنَفَاهُ بَاقِي الْحَنَفِيَّةِ دِرَايَةً لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» وَرِوَايَةً لِعَدَمِ انْفِسَاخِ نِكَاحِ الْمُرَاهَقَةِ بِعَدَمِ وَصْفِ الْإِيمَانِ اهـ مُوَضَّحًا مِنْ شَرْحِهِ لِابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ. وَقَالَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّانِي: وَزَادَ أَبُو مَنْصُورٍ إيجَابَهُ عَلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، وَنَقَلُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: لَوْ لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ تَعَالَى لِلنَّاسِ رَسُولًا لَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مَعْرِفَتُهُ بِعُقُولِهِمْ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّونَ: لَا تَعَلُّقَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَالتَّبْلِيغِ كَالْأَشَاعِرَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَحَكَمُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ رِوَايَةِ: لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي الْجَهْلِ بِخَالِقِهِ، لِمَا يَرَى مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَخَلْقِ نَفْسِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>