ثُمَّ الْخَارِجُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ ثَلَاثَةٌ: قُطَّاعُ طَرِيقٍ وَعُلِمَ حُكْمُهُمْ. وَبُغَاةٌ وَيَجِيءُ حُكْمُهُمْ وَخَوَارِجُ وَهُمْ قَوْمٌ لَهُمْ مَنَعَةٌ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِتَأْوِيلٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ عَلَى بَاطِلٍ كُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ تُوجِبُ قِتَالَهُ بِتَأْوِيلِهِمْ، وَيَسْتَحِلُّونَ دِمَاءَنَا وَأَمْوَالَنَا وَيَسْبُونَ نِسَاءَنَا، وَيُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الْبُغَاةِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا لَمْ نُكَفِّرْهُمْ لِكَوْنِهِ عَنْ تَأْوِيلٍ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا، -
ــ
[رد المحتار]
الْعَادِلَةَ وَالْبَاغِيَةَ كُلُّهُمْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا. اهـ.
ط لَكِنَّ قَوْلَهُ وَلَا أَنْ يُعِينُوا تِلْكَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْإِمَامِ فِيهِ كَلَامٌ سَيَأْتِي (قَوْلُهُ: قُطَّاعُ طَرِيقٍ) وَهُمْ قِسْمَانِ: أَحَدُهُمَا الْخَارِجُونَ بِلَا تَأْوِيلٍ بِمَنَعَةٍ وَبِلَا مَنَعَةٍ، يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ وَيَقْتُلُونَهُمْ وَيُخِيفُونَ الطَّرِيقَ.
وَالثَّانِي قَوْمٌ كَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُمْ لَا مَنَعَةَ لَهُمْ لَكِنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ، كَذَا فِي الْفَتْحِ، لَكِنَّهُ عَدَّ الْأَقْسَامَ أَرْبَعَةً، وَجَعَلَ هَذَا الثَّانِيَ قِسْمًا مِنْهُمْ مُسْتَقِلًّا مُلْحَقًا بِالْقُطَّاعِ مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ. وَفِي النَّهْرِ: هُنَا تَحْرِيفٌ فَتَنَبَّهْ لَهُ (قَوْلُهُ: وَبُغَاةٌ) هُمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا عَلَى إمَامِ الْعَدْلِ وَلَمْ يَسْتَبِيحُوا مَا اسْتَبَاحَهُ الْخَوَارِجُ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَسَبْيِ ذَرَارِيِّهِمْ اهـ وَالْمُرَادُ خَرَجُوا بِتَأْوِيلٍ وَإِلَّا فَهُمْ قُطَّاعٌ كَمَا عَلِمْت. وَفِي الِاخْتِيَارِ: أَهْلُ الْبَغْيِ كُلُّ فِئَةٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ يَتَغَلَّبُونَ وَيَجْتَمِعُونَ وَيُقَاتِلُونَ أَهْلَ الْعَدْلِ بِتَأْوِيلٍ يَقُولُونَ الْحَقُّ مَعَنَا وَيَدَّعُونَ الْوِلَايَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَخَوَارِجُ وَهُمْ قَوْمٌ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ تَعْرِيفُ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّ مَنَاطَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْبُغَاةِ هُوَ اسْتِبَاحَتُهُمْ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَذَرَارِيَّهُمْ بِسَبَبِ الْكُفْرِ إذْ لَا تُسْبَى الذَّرَارِيُّ ابْتِدَاءً بِدُونِ كُفْرٍ، لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ كَلَامِ الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْبُغَاةَ أَعَمُّ، فَالْمُرَادُ بِالْبُغَاةِ مَا يَشْمَلُ الْفَرِيقَيْنِ، وَلِذَا فَسَّرَ فِي الْبَدَائِعِ الْبُغَاةَ بِالْخَوَارِجِ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ الْبُغَاةُ أَعَمَّ، وَهَذَا مِنْ حَيْثُ الِاصْطِلَاحُ، وَإِلَّا فَالْبَغْيُ وَالْخُرُوجُ مُتَحَقِّقَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى السَّوِيَّةِ، وَلِذَا قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْخَوَارِجِ: إخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا (قَوْلُهُ: لَهُمْ مَنَعَةٌ) بِفَتْحِ النُّونِ: أَيْ عِزَّةٌ فِي قَوْمِهِمْ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَرُدُّهُمْ مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ: بِتَأْوِيلٍ) أَيْ بِدَلِيلٍ يُؤَوِّلُونَهُ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِهِ كَمَا وَقَعَ لِلْخَوَارِجِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ عَسْكَرِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ كَفَرَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ حَيْثُ حَكَمَ جَمَاعَةٌ فِي أَمْرِ الْحَرْبِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَقَالُوا إنْ الْحُكْمُ إلَّا لِلَّهِ، وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ كَافِرٌ؛ وَأَنَّ التَّحْكِيمَ كَبِيرَةٌ لِشُبَهٍ قَامَتْ لَهُمْ اسْتَدَلُّوا بِهَا مَذْكُورَةً مَعَ رَدِّهَا فِي كُتُبِ الْعَقَائِدِ. مَطْلَبٌ فِي أَتْبَاعِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْخَوَارِجِ فِي زَمَانِنَا
(قَوْلُهُ: وَيُكَفِّرُونَ أَصْحَابَ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) عَلِمْت أَنَّ هَذَا غَيْرُ شَرْطٍ فِي مُسَمَّى الْخَوَارِجِ، بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِمَنْ خَرَجُوا عَلَى سَيِّدِنَا عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِلَّا فَيَكْفِي فِيهِمْ اعْتِقَادُهُمْ كُفْرَ مَنْ خَرَجُوا عَلَيْهِ، كَمَا وَقَعَ فِي زَمَانِنَا فِي أَتْبَاعِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ نَجْدٍ وَتَغَلَّبُوا عَلَى الْحَرَمَيْنِ وَكَانُوا يَنْتَحِلُونَ مَذْهَبَ الْحَنَابِلَةِ، لَكِنَّهُمْ اعْتَقَدُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْمُسْلِمُونَ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ اعْتِقَادَهُمْ مُشْرِكُونَ، وَاسْتَبَاحُوا بِذَلِكَ قَتْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَتْلَ عُلَمَائِهِمْ حَتَّى كَسَرَ اللَّهُ تَعَالَى شَوْكَتَهُمْ وَخَرَّبَ بِلَادَهُمْ وَظَفِرَ بِهِمْ عَسَاكِرُ الْمُسْلِمِينَ عَامَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَلْفٍ (قَوْلُهُ: كَمَا حَقَّقَهُ فِي الْفَتْحِ) حَيْثُ قَالَ: وَحُكْمُ الْخَوَارِجِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ حُكْمُ الْبُغَاةِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ إلَى كُفْرِهِمْ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَهْلَ الْحَدِيثِ عَلَى تَكْفِيرِهِمْ، وَهَذَا يَقْتَضِي نَقْلَ إجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ. مَطْلَبٌ فِي عَدَمِ تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ
وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ لَا يُكَفِّرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ. وَبَعْضُهُمْ يُكَفِّرُ مَنْ خَالَفَ مِنْهُمْ بِبِدْعَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute