بِخِلَافِ الْمُسْتَحِيلِ بِلَا تَأْوِيلٍ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ.
(وَالْإِمَامُ يَصِيرُ إمَامًا) بِأَمْرَيْنِ (بِالْمُبَايَعَةِ مِنْ الْأَشْرَافِ وَالْأَعْيَانِ، وَبِأَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ فِي رَعِيَّتِهِ خَوْفًا مِنْ قَهْرِهِ وَجَبَرُوتِهِ، فَإِنْ بَايَعَ النَّاسُ) الْإِمَامَ (وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِيهِمْ لِعَجْزِهِ) عَنْ قَهْرِهِمْ (لَا يَصِيرُ إمَامًا، فَإِذَا صَارَ إمَامًا فَجَارَ لَا يَنْعَزِلُ إنْ) كَانَ (لَهُ قَهْرٌ وَغَلَبَةٌ) لِعَوْدِهِ بِالْقَهْرِ فَلَا يُفِيدُ -
ــ
[رد المحتار]
دَلِيلًا قَطْعِيًّا وَنَسَبَهُ إلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالنَّقْلُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ نَعَمْ يَقَعُ فِي كَلَامِ أَهْلِ مَذْهَبٍ تَكْفِيرُ كَثِيرٍ، لَكِنْ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ هُمْ الْمُجْتَهِدُونَ بَلْ مِنْ غَيْرِهِمْ. مَطْلَبٌ لَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ يَعْنِي الْمُجْتَهِدِينَ
وَلَا عِبْرَةَ بِغَيْرِ الْفُقَهَاءِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَا ذَكَرْنَا وَابْنُ الْمُنْذِرِ أَعْرَفُ بِنَقْلِ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ اهـ لَكِنْ صَرَّحَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَايَرَةِ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى تَكْفِيرِ الْمُخَالِفِ فِيمَا كَانَ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَضَرُورِيَّاتِهِ: كَالْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَنَفْيِ حَشْرِ الْأَجْسَادِ، وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ فِي غَيْرِهِ كَنَفْيِ مَبَادِئِ الصِّفَاتِ، وَنَفْيِ عُمُومِ الْإِرَادَةِ، وَالْقَوْلُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ إلَخْ. وَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي: إنَّ سَابَّ الشَّيْخَيْنِ وَمُنْكِرَ خِلَافَتِهِمَا مِمَّنْ بَنَاهُ عَلَى شُبْهَةٍ لَهُ لَا يَكْفُرُ، بِخِلَافِ مَنْ ادَّعَى أَنَّ عَلِيًّا إلَهٌ وَأَنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَنْ شُبْهَةٍ وَاسْتِفْرَاغِ وُسْعٍ فِي الِاجْتِهَادِ بَلْ مَحْضُ هَوًى اهـ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
قُلْت: وَكَذَا يَكْفُرُ قَاذِفُ عَائِشَةَ وَمُنْكِرُ صُحْبَةِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبُ صَرِيحِ الْقُرْآنِ كَمَا مَرَّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْمُسْتَحِلِّ بِلَا تَأْوِيلٍ) أَيْ مَنْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا كَانَ قَطْعِيَّ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَبْنِهِ عَلَى دَلِيلٍ كَمَا بَنَاهُ الْخَوَارِجُ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا بَنَاهُ عَلَى تَأْوِيلِ دَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ كَانَ فِي زَعْمِهِ إتْبَاعُ الشَّرْعِ لَا مُعَارَضَتُهُ وَمُنَابَذَتُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ
(قَوْلُهُ: وَالْإِمَامُ) أَيْ الْإِمَامُ الْحَقُّ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَلَمْ يَذْكُرْ شُرُوطَهُ اسْتِغْنَاءً بِمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا هُنَاكَ فَرَاجِعْهَا.
مَطْلَبٌ الْإِمَامُ يَصِيرُ إمَامًا بِالْمُبَايَعَةِ أَوْ بِالِاسْتِخْلَافِ مِمَّنْ قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: يَصِيرُ إمَامًا بِالْمُبَايَعَةِ) وَكَذَا بِاسْتِخْلَافِ إمَامٍ قَبْلَهُ وَكَذَا بِالتَّغَلُّبِ وَالْقَهْرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ. قَالَ فِي الْمُسَايَرَةِ: وَيَثْبُتُ عَقْدُ الْإِمَامَةِ إمَّا بِاسْتِخْلَافِ الْخَلِيفَةِ إيَّاهُ كَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَإِمَّا بِبَيْعَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الرَّأْي وَالتَّدْبِيرِ. وَعِنْدَ الْأَشْعَرِيِّ يَكْفِي الْوَاحِدُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ مِنْ أُولِي الرَّأْيِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ بِمَشْهَدِ شُهُودٍ لِدَفْعِ الْإِنْكَارِ إنْ وَقَعَ. وَشَرَطَ الْمُعْتَزِلَةُ خَمْسَةً. وَذَكَرَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ اشْتِرَاطَ جَمَاعَةٍ دُونَ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ اهـ ثُمَّ قَالَ: لَوْ تَعَذَّرَ وُجُودُ الْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ فِيمَنْ تَصَدَّى لِلْإِمَامَةِ وَكَانَ فِي صَرْفِهِ عَنْهَا إثَارَةُ فِتْنَةٍ لَا تُطَاقُ حَكَمْنَا بِانْعِقَادِ إمَامَتِهِ كَيْ لَا تَكُونَ كَمَنْ يَبْنِي قَصْرًا وَيَهْدِمُ مِصْرًا، وَإِذَا تَغَلَّبَ آخَرُ عَلَى الْمُتَغَلِّبِ وَقَعَدَ مَكَانَهُ انْعَزَلَ الْأَوَّلُ وَصَارَ الثَّانِي إمَامًا وَتَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ عَادِلًا كَانَ أَوْ جَائِرًا إذَا لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ يَصِيرُ إمَامًا بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ، لَكِنَّ الثَّالِثَ فِي الْإِمَامِ الْمُتَغَلِّبِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي شُرُوطِ الْإِمَامَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّغَلُّبِ مَعَ الْمُبَايَعَةِ وَهُوَ الْوَاقِعُ فِي سَلَاطِينِ الزَّمَانِ نَصَرَهُمْ الرَّحْمَنُ.
(قَوْلُهُ: وَبِأَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ) أَيْ يُشْتَرَطُ مَعَ وُجُودِ الْمُبَايَعَةِ نَفَاذُ حُكْمِهِ وَكَذَا هُوَ شَرْطٌ أَيْضًا مَعَ الِاسْتِخْلَافِ فِيمَا يَظْهَرُ، بَلْ يَصِيرُ إمَامًا بِالتَّغَلُّبِ وَنَفَاذِ الْحُكْمِ وَالْقَهْرِ بِدُونِ مُبَايَعَةٍ أَوْ اسْتِخْلَافٍ كَمَا عَلِمْت (قَوْلُهُ: فَلَا يُفِيدُ) أَيْ لَا يُفِيدُ عَزْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute