(وَإِلَّا يَنْعَزِلْ بِهِ) لِأَنَّهُ مُفِيدٌ خَانِيَّةً، وَتَمَامُهُ فِي كُتُبِ الْكَلَامِ
(فَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُسْلِمُونَ عَنْ طَاعَتِهِ) أَوْ طَاعَةِ نَائِبِهِ الَّذِي رَضِيَ النَّاسُ بِهِ فِي أَمَانٍ دُرَرٌ (وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ دَعَاهُمْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى طَاعَتِهِ (وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ) اسْتِحْبَابًا (فَإِنْ تَحَيَّزُوا مُجْتَمِعِينَ حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ بَدْءًا حَتَّى نُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ) إذْ الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ وَالِامْتِنَاعُ (وَمَنْ دَعَاهُ الْإِمَامُ إلَى ذَلِكَ) أَيْ قِتَالِهِمْ (اُفْتُرِضَ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ) لِأَنَّ طَاعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَرْضٌ فَكَيْفَ فِيمَا هُوَ طَاعَةُ بَدَائِعُ (لَوْ قَادِرًا) -
ــ
[رد المحتار]
مَطْلَبٌ فِيمَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْخَلِيفَةُ الْعَزْلَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا يَنْعَزِلُ بِهِ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَهْرٌ وَمَنَعَةٌ يَنْعَزِلُ بِهِ أَيْ بِالْجَوْرِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمَقَاصِدِ: يَنْحَلُّ عَقْدُ الْإِمَامَةِ بِمَا يَزُولُ بِهِ مَقْصُودُ الْإِمَامَةِ كَالرِّدَّةِ وَالْجُنُونِ الْمُطْبَقِ، وَصَيْرُورَتِهِ أَسِيرًا لَا يُرْجَى خَلَاصُهُ، وَكَذَا بِالْمَرَضِ الَّذِي يُنْسِيهِ الْمَعْلُومَ، وَبِالْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْخَرَسِ، وَكَذَا بِخَلْعِهِ نَفْسَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا بَلْ اسْتَشْعَرَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ خَلْعُ الْحَسَنِ نَفْسَهُ. وَأَمَّا خَلْعُهُ لِنَفْسِهِ بِلَا سَبَبٍ فَفِيهِ خِلَافٌ، وَكَذَا فِي انْعِزَالِهِ بِالْفِسْقِ. وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، وَيَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. وَقَالَ فِي الْمُسَايَرَةِ: وَإِذَا قَلَّدَ عَدْلًا ثُمَّ جَارٍ وَفَسَقَ لَا يَنْعَزِلُ وَلَكِنْ يَسْتَحِقُّ الْعَزْلَ إنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ فِتْنَةٌ. اهـ. وَفِي الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِهِ: إنَّ لِلْأُمَّةِ خَلْعَ الْإِمَامِ وَعَزْلَهُ بِسَبَبٍ يُوجِبُهُ، مِثْلُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ اخْتِلَالَ أَحْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَانْتِكَاسَ أُمُورِ الدِّينِ كَمَا كَانَ لَهُمْ نَصْبُهُ وَإِقَامَتُهُ لِانْتِظَامِهَا وَإِعْلَائِهَا، وَإِنْ أَدَّى خَلْعُهُ إلَى فِتْنَةٍ اُحْتُمِلَ أَدْنَى الْمَضَرَّتَيْنِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: فَإِذَا خَرَجَ جَمَاعَةٌ مُسْلِمُونَ) قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلْدَةٍ صَارُوا أَهْلَ حَرْبٍ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ قَاتَلُونَا مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْعَهْدِ مِنْهُمْ، وَهَذَا لَا يَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لِلْبُغَاةِ الْمُسْلِمِينَ نَهْرٌ أَيْ فَلَهُمْ حُكْمُهُمْ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ. (قَوْلُهُ: عَنْ طَاعَتِهِ) أَيْ طَاعَةِ الْإِمَامِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنْ يَكُونَ النَّاسُ بِهِ فِي أَمَانٍ وَالطُّرُقَاتُ آمِنَةً اهـ وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الدُّرَرِ وَجْهُهُ: أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَكُونُ عَاجِزًا أَوْ جَائِرًا ظَالِمًا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ وَعَزْلُهُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ فِتْنَةٌ كَمَا عَلِمْته آنِفًا (قَوْلُهُ: وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ) الظَّاهِرُ إنَّ ذِكْرَ الْبَلَدِ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَجَمُّعِهِمْ وَتَعَسْكُرِهِمْ، وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مَحَلٍّ يَظْهَرُ فِيهِ قَهْرُهُمْ وَالْغَالِبُ كَوْنُهُ بَلْدَةً، فَلَوْ تَجَمَّعُوا فِي بَرِيَّةٍ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: أَيْ إلَى طَاعَتِهِ) أَشَارَ إلَى أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ (قَوْلُهُ: وَكَشَفَ شُبْهَتَهُمْ اسْتِحْبَابًا) أَيْ بِأَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ، فَإِنْ كَانَ لِظُلْمٍ مِنْهُ أَزَالَهُ، وَإِنْ لِدَعْوَى أَنَّ الْحَقَّ مَعَهُمْ وَالْوِلَايَةَ لَهُمْ فَهُمْ بُغَاةٌ فَلَوْ قَاتَلَهُمْ بِلَا دَعْوَةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا مَا يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ كَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: فَإِنْ تَحَيَّزُوا مُجْتَمِعِينَ) أَيْ مَالُوا إلَى جِهَةٍ مُجْتَمِعِينَ فِيهَا أَوْ إلَى جَمَاعَةٍ، وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ وَغَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ الْآخَرِ عَلَى مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ: حَلَّ لَنَا قِتَالُهُمْ بَدْءًا) هَذَا اخْتِيَارٌ لِمَا نَقَلَهُ خُوَاهَرْ زَادَهُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّا نَبْدَؤُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَبْدَؤُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ، فَيُدَارُ عَلَى الدَّلِيلِ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّهِمْ. وَنَقَلَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْدَؤُهُمْ حَتَّى يَبْدَؤُهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ بَحْرٌ، وَلَوْ انْدَفَعَ شَرُّهُمْ بِأَهْوَنَ مِنْ الْقَتْلِ وَجَبَ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ شَرُّهُمْ زَيْلَعِيٌّ.
مَطْلَبٌ فِي وُجُوبِ طَاعَةِ الْإِمَامِ (قَوْلُهُ: افْتَرَضَ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: ٥٩] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَلَوْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ أَجْدَعُ» وَرُوِيَ «مُجَدَّعٌ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute