وَبِالْعَكْسِ (إذَا قَالَ) الْبَاغِي وَقْتَ قَتْلِهِ (أَنَا عَلَى بَاطِلٍ لَا) يَرِثُهُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ (وَإِنْ قَالَ: أَنَا عَلَى حَقٍّ) فِي الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ وَأَصَرَّ عَلَى دَعْوَاهُ (وَرِثَهُ) أَمَّا لَوْ رَجَعَ تَبْطُلُ دِيَانَتُهُ فَلَا إرْثَ ابْنُ كَمَالٍ. وَفِي الْفَتْحِ: لَوْ دَخَلَ بَاغٍ بِأَمَانٍ فَقَتَلَهُ عَادِلٌ عَمْدًا لَزِمَهُ الدِّيَةُ كَمَا فِي الْمُسْتَأْمَنِ لِبَقَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ.
ــ
[رد المحتار]
لِشَرِّهِمْ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَنَحْوُهُ فِي الْبَدَائِعِ. وَفِي الْمُحِيطِ: الْعَادِلُ لَوْ أَتْلَفَ مَالَ الْبَاغِي يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ فِي حَقِّنَا. وَوُفِّقَ الزَّيْلَعِيُّ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى إتْلَافِهِ حَالَ الْقِتَالِ بِسَبَبِ الْقِتَالِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْتُلَهُمْ إلَّا بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ كَالْخَيْلِ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا مَعْنَى لِمَنْعِ الضَّمَانِ لِعِصْمَةِ أَمْوَالِهِمْ اهـ مُلَخَّصًا.
قُلْت: وَيَظْهَرُ لِي التَّوْفِيقُ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ حَمْلُ الضَّمَانِ عَلَى مَا قَبْلَ تَحَيُّزِهِمْ وَخُرُوجِهِمْ أَوْ بَعْدَ كَسْرِهِمْ وَتَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ، أَمَّا إذَا تَحَيَّزُوا لِقِتَالِنَا مُجْتَمِعِينَ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ بِدَلِيلِ حِلِّ قِتَالِنَا لَهُمْ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ تَعْلِيلُ الْهِدَايَةِ بِالْأَمْرِ بِقِتَالِهِمْ إذْ لَا يُؤْمَرُ بِقِتَالِهِمْ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَوْ أَتْلَفَ الْعَادِلُ مِنْهُمْ شَيْئًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَضْمَنُهُ لِسُقُوطِ الْعِصْمَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَعْصُومٌ فِي حَقِّنَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ هَذَا التَّوْفِيقَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ (قَوْلُهُ وَبِالْعَكْسِ) أَيْ إذَا قَتَلَ بَاغٍ عَادِلًا (قَوْلُهُ وَقْتَ قَتْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَنَا عَلَى بَاطِلٍ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ عَقِبَهُ إذْ لَا يَلْزَمُ قَوْلُهُ ذَلِكَ وَقْتَ قَتْلِهِ، بَلْ اللَّازِمُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ وَقْتَهُ، لَكِنْ قَدْ يَأْتِي لَفْظُ قَالَ بِمَعْنَى اعْتَقَدَ تَأَمَّلْ. وَعِبَارَةُ الْبَحْرِ، وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى بَاطِلٍ لَمْ يَرِثْهُ (قَوْلُهُ: اتِّفَاقًا) أَيْ مِنْ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبَيْهِ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ) وَهِيَ التَّأْوِيلُ بِاعْتِقَادِ كَوْنِهِ عَلَى حَقٍّ (قَوْلُهُ: وَرِثَهُ) أَيْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ إذَا ضُمَّتْ إلَيْهِ الْمَنَعَةُ فِي حَقِّ الدَّفْعِ كَمَا فِي مَنَعَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَتَأْوِيلُهُمْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْيَ الضَّمَانِ مَنُوطٌ بِالْمَنَعَةِ مَعَ التَّأْوِيلِ، فَلَوْ تَجَرَّدَتْ الْمَنَعَةُ عَنْ التَّأْوِيلِ كَقَوْمٍ تَغَلَّبُوا عَلَى بَلْدَةٍ فَقَتَلُوا وَاسْتَهْلَكُوا الْأَمْوَالَ بِلَا تَأْوِيلٍ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ أُخِذُوا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، وَلَوْ انْفَرَدَ التَّأْوِيلُ عَنْ الْمَنَعَةِ بِأَنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ وَاثْنَانِ فَقَتَلُوا وَأَخَذُوا عَنْ تَأْوِيلٍ ضَمِنُوا إذَا تَابُوا وَقُدِّرَ عَلَيْهِمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالزَّيْلَعِيِّ. وَفِي الِاخْتِيَارِ: وَمَا أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْآخَرِ مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ اسْتِهْلَاكِ مَالٍ فَهُوَ مَوْضُوعٌ لَا دِيَةَ فِيهِ، وَلَا ضَمَانَ وَلَا قِصَاصَ، وَمَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ لِلْآخَرِ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ. قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا تَابُوا أُفْتِيهِمْ أَنْ يَغْرَمُوا وَلَا أَجْبُرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَسُقُوطُ الْمُطَالَبَةِ لَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: مَا فَعَلُوهُ قَبْلَ التَّحَيُّزِ وَالْخُرُوجِ، وَبَعْدَ تَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ يُؤْخَذُونَ بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، وَلَا مَنْعَةَ لَهُمْ كَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا مَا فَعَلُوهُ بَعْدَ التَّحَيُّزِ لَا ضَمَانَ فِيهِ لِمَا بَيَّنَّا. اهـ.
قُلْت: فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ إذَا كَانُوا كَثِيرِينَ ذَوِي مَنَعَةٍ وَتَحَيَّزُوا لِقِتَالِنَا مُعْتَقِدِينَ حِلَّهُ بِتَأْوِيلٍ سَقَطَ عَنْهُمْ ضَمَانُ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ دُونَ مَا كَانَ قَائِمًا، وَيَضْمَنُونَ كُلَّ ذَلِكَ إذَا كَانُوا قَلِيلِينَ لَا مَنْعَةَ لَهُمْ أَوْ قَبْلَ تَحَيُّزِهِمْ أَوْ بَعْدَ تَفَرُّقِ جَمْعِهِمْ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مَا أَتْلَفَهُ أَهْلُ الْعَدْلِ لَا يَضْمَنُونَهُ وَقِيلَ يَضْمَنُونَهُ وَقَدَّمْنَا التَّوْفِيقَ (قَوْلُهُ: تَبْطُلُ دِيَانَتُهُ) أَيْ تَأْوِيلُهُ الَّذِي كَانَ يَتَدَيَّنُ بِهِ وَأَسْقَطْنَا ضَمَانَهُ بِسَبَبِهِ، فَإِذَا رَجَعَ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَأْوِيلَ لَهُ فَلَا يَرِثُ وَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَ. وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ دِيَانَةً بِدُونِ ضَمِيرٍ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ، وَالْمُوَافِقُ لِمَا فِي ابْنِ كَمَالٍ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ هُوَ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ: عَمْدًا) لَيْسَ فِي كَلَامِ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ. ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَرِثَ مِنْهُ، وَهَذِهِ تُرَدُّ عَلَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْمُسْتَأْمَنِ) أَيْ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمُ مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِنَا فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِبَقَاءِ شُبْهَةِ الْإِبَاحَةِ) عِلَّةٌ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ الْمَفْهُومِ مِنْ وُجُوبِ الدِّيَةِ. اهـ. ح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute