للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَلْ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَخْذُهُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ فِي الْفَتْحِ لَا، وَأَقَرَّهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْبَحْرِ وَحُرِّرَ فِي النَّهْرِ، نَعَمْ لَكِنْ لَا يَنْبَغِي أَخْذُهُ إلَّا بِمُوجِبٍ (فَلَوْ أَخَذَهُ أَحَدٌ وَخَاصَمَهُ الْأَوَّلُ رُدَّ إلَيْهِ) إلَّا إذَا دَفَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ (وَ) هَذَا إذَا اتَّحَدَ الْمُلْتَقِطُ، فَلَوْ تَعَدَّدَ وَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا كَمَا (لَوْ وَجَدَهُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَتَنَازَعَا قُضِيَ بِهِ لِلْمُسْلِمِ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلَّقِيطِ خَانِيَّةٌ، وَلَوْ اسْتَوَيَا فَالرَّأْيُ لِلْقَاضِي بَحْرٌ بَحْثًا.

(وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ) بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ وَلَوْ غَيْرَ الْمُلْتَقِطِ اسْتِحْسَانًا لَوْ حَيًّا وَإِلَّا فَالْبَيِّنَةُ خَانِيَّةٌ (وَمِنْ اثْنَيْنِ) مُسْتَوِيَيْنِ كَوَلَدِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ.

ــ

[رد المحتار]

وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي عَجْزَهُ عَنْ حِفْظِهِ بِنَفْسِهِ وَأُتِيَ بِهِ إلَيْهِ فَإِنَّ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ اهـ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِالْأَوْلَى الْوُجُوبَ فَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ بَعْدَمَا أُتِيَ بِهِ إلَيْهِ عَلِمَ أَمَانَتَهُ وَدِيَانَتَهُ وَأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ يَدْفَعُهُ هُوَ إلَى مَنْ يَحْفَظُهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِلْقَاضِي لِأَخْذِهِ مِنْهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يَخْشَى عَلَيْهِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ، وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي النَّهْرِ (قَوْلُهُ: فِي الْفَتْحِ لَا) حَيْثُ قَالَ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْهُ (قَوْلُهُ: وَحَرَّرَ فِي النَّهْرِ نَعَمْ) حَيْثُ قَالَ: وَأَقُولُ الْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ لِلْعَامَّةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا) أَيْ عَدَمُ أَخْذِهِ مِنْ الْمُلْتَقِطِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلَّقِيطِ) ؛ لِأَنَّهُ يُعَلِّمُهُ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّهُ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْإِسْلَامِ فَكَانَ الْمُسْلِمُ أَوْلَى بِحِفْظِهِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ.

قُلْت: وَهَذَا إذَا لَمْ يَعْقِلْ الْأَدْيَانَ وَإِلَّا نُزِعَ مِنْ الْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ هُوَ الْمُلْتَقِطَ وَحْدَهُ كَمَا يَأْتِي تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ اسْتَوَيَا) بِأَنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ (قَوْلُهُ: فَالرَّأْيُ لِلْقَاضِي) وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَجَّحَ مَا هُوَ أَنْفَعُ لِلَّقِيطِ نَهْرٌ، بِأَنْ يُقَدَّمَ الْعَدْلُ عَلَى الْفَاسِقِ وَالْغَنِيُّ عَلَى الْفَقِيرِ، بَلْ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْخَانِيَّةِ بِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلَّقِيطِ عَدَمُ اخْتِصَاصِ التَّرْجِيحِ بِالْإِسْلَامِ فَيَعُمُّ مَا ذُكِرَ، فَيُقْضَى بِهِ لِلْعَدْلِ وَالْغَنِيِّ حَيْثُ كَانَ هُوَ الْأَنْفَعَ، وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ التَّرْجِيحُ اخْتَصَّ بِهِ الرَّاجِحُ. اهـ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَوَيَا أَيْ فِي صِفَاتِ التَّرْجِيحِ كُلِّهَا.

(قَوْلُهُ: اسْتِحْسَانًا) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ دَعْوَاهُمَا، أَمَّا الْمُلْتَقِطُ فَلِتَنَاقُضِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ حَقٍّ ثَابِتٍ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى أَعْنِي الْحِفْظَ لِلْمُلْتَقِطِ وَحَقَّ الْوَلَدِ لِلْعَامَّةِ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إقْرَارٌ لِلصَّبِيِّ بِمَا يَنْفَعُهُ وَالتَّنَاقُضُ لَا يَضُرُّ فِي دَعْوَى النَّسَبِ، وَإِبْطَالُ حَقِّ الْمُلْتَقِطِ ضِمْنَا ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ، وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا، أَلَا تَرَى أَنَّ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ بِالْوِلَادَةِ تَصِحُّ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا اسْتِحْقَاقُهُ لِلْإِرْثِ، (قَوْلُهُ: لَوْ حَيًّا) أَيْ لَوْ كَانَ اللَّقِيطُ حَيًّا وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَبِالْبَيِّنَةِ) أَيْ وَإِنْ كَانَ اللَّقِيطُ مَيِّتًا وَتَرَكَ مَالًا أَوْ لَمْ يَتْرُكْ فَادَّعَى رَجُلٌ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ ابْنُهُ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ بَحْرٌ عَنْ الْخَانِيَّةِ أَيْ لِاحْتِمَالِ ظُهُورِ مَالٍ لَهُ، وَلَعَلَّ وَجْهَ الْفَرْقِ أَنَّ دَعْوَى الْحَيِّ تَتَمَحَّضُ لِلنَّسَبِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِالْمَوْتِ فَصَارَتْ دَعْوَى الْإِرْثِ، ثُمَّ رَأَيْته صَرِيحًا فِي الْفَتْحِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ فِي دَعْوَى الْحَيِّ غَيْرُ مُتَّهَمٍ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ. تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَمِنْ اثْنَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ) أَيْ إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا فَلَوْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَهُوَ ابْنُهُ مَا لَمْ يُبَرْهِنْ الْآخَرُ، وَقَيَّدَ الِاسْتِوَاءَ إذْ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ، فَهُوَ أَوْلَى كَمُلْتَقَطٍ وَخَارِجٍ فَيُحْكَمُ بِهِ لِلْمُلْتَقِطِ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَبِإِسْلَامِ الْوَلَدِ؛ وَلَوْ خَارِجَيْنِ يُقَدَّمُ مَنْ بَرْهَنَ عَلَى مَنْ لَمْ يُبَرْهِنْ، وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ، وَالذِّمِّيُّ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ، أَفَادَهُ فِي الْبَحْرِ، وَكَأَنَّ الشَّارِحَ تَرَكَ التَّقْيِيدَ بِالْمَعِيَّةِ لِكَوْنِ الْأَسْبَقِ لَهُ مُرَجَّحٌ وَهُوَ السَّبْقُ لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ، وَمِنْ الْمُرَجَّحِ وَصْفُ أَحَدِهِمَا عَلَامَةٌ كَمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ كَوَلَدِ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءُ مَعًا ثَبَتَ مِنْ الْكُلِّ، فَهُوَ تَشْبِيهٌ لِمَسْأَلَةِ الْمَتْنِ بِهَذِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى

<<  <  ج: ص:  >  >>