(وَنُدِبَ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ الضَّالَّةِ وَتَعْرِيفُهَا مَا لَمْ يَخَفْ ضَيَاعَهَا) فَيَجِبُ، وَكُرِهَ لَوْ مَعَهَا مَا تَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا كَقَرْنِ الْبَقَرِ وَكَدْمٍ لِإِبِلٍ تَتَارْخَانِيَّةٌ (وَلَوْ) كَانَ الِالْتِقَاطُ (فِي الصَّحْرَاءِ) إنْ ظَنَّ أَنَّهَا ضَالَّةٌ حَاوِي
(وَهُوَ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى اللَّقِيطِ وَاللُّقَطَةِ مُتَبَرِّعٌ) لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ (إلَّا إذَا قَالَ لَهُ قَاضٍ أَنْفِقْ لِتَرْجِعَ) فَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الرُّجُوعَ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا فِي الْأَصَحِّ (أَوْ يُصَدِّقُهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ) كَذَا فِي الْمَجْمَعِ أَيْ يُصَدِّقُهُ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ لَا مَا زَعَمَهُ ابْنُ الْمَلِكِ نَهْرٌ، وَالْمَدْيُونُ رَبُّ اللُّقَطَةِ وَأَبُو اللَّقِيطِ
ــ
[رد المحتار]
وَاعْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ بِأَنَّهُ لَا إجَارَةَ أَصْلًا لِعَدَمِ مَنْ يَقْبَلُ. وَأَجَابَ الْمَقْدِسِيَّ بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِجَمْعٍ حَضَرَ.
قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا فِي إجَارَاتِ الْوَلْوَالِجيَّةِ: ضَاعَ لَهُ شَيْءٌ فَقَالَ مَنْ دَلَّنِي عَلَيْهِ فَلَهُ كَذَا فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجَرَ لَهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَالدَّلَالَةَ لَيْسَتْ بِعَمَلٍ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْأَجْرَ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ؛ وَإِنْ خَصَّصَ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ إنْ دَلَلْتنِي عَلَيْهِ فَلَكَ كَذَا، إنْ مَشَى لَهُ وَدَلَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ فِي الْمَشْيِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَمَلٌ يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِقَدْرٍ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ دَلَّهُ بِلَا مَشْيٍ فَهُوَ وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ. اهـ. وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ هُنَا إنْ خَصَّصَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِكَوْنِ مَكَانِ الرَّدِّ غَيْرَ مُقَدَّرٍ فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عُمِّمَ فَبَاطِلَةٌ وَلَا أَجْرَ، فَقَوْلُهُ كَإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ الْأَوْلَى ذِكْرُهُ بِصِيغَةِ التَّعْلِيلِ كَمَا فَعَلَ فِي الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ: وَنُدِبَ الْتِقَاطُ الْبَهِيمَةِ إلَخْ) وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: إذَا وَجَدَ الْبَقَرَ وَالْبَعِيرَ فِي الصَّحْرَاءِ فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ الْحُرْمَةُ وَإِبَاحَةُ الِالْتِقَاطِ مَخَافَةَ الضَّيَاعِ، وَإِذَا كَانَ مَعَهَا مَا تَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهَا كَالْقَرْنِ مَعَ الْقُوَّةِ فِي الْبَقَرِ وَالرَّفْسِ مَعَ الْكَدْمِ فِي الْبَعِيرِ وَالْفَرَسِ يَقِلُّ ظَنُّ ضَيَاعِهَا وَلَكِنَّهُ يُتَوَهَّمُ.
وَلَنَا أَنَّهَا لُقَطَةٌ يُتَوَهَّمُ ضَيَاعُهَا فَيُسْتَحَبُّ أَخْذُهَا وَتَعْرِيفُهَا صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ كَالشَّاةِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ، مَالَكَ وَلَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، فَذَرْهَا حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا» أَجَابَ عَنْهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ كَانَ إذْ ذَاكَ لِغَلَبَةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ، وَأَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا يُؤْمَنُ وُصُولُ يَدٍ خَائِنَةٍ إلَيْهَا بَعْدَهُ، فَفِي أَخْذِهَا إحْيَاؤُهَا وَحِفْظُهَا فَهُوَ أَوْلَى، وَمُقْتَضَاهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ أَنْ يَجِبَ الِالْتِقَاطُ وَهَذَا حَقٌّ، فَإِنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّارِعِ وُصُولُهَا إلَى رَبِّهَا، فَإِذَا تَغَيَّرَ الزَّمَانُ وَصَارَ طَرِيقَ التَّلَفِ فَحُكْمُهُ عِنْدَهُ بِلَا شَكٍّ خِلَافُهُ وَهُوَ الِالْتِقَاطُ لِلْحِفْظِ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَكَرِهَ إلَخْ) قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْتِقَاطَ الْبَهِيمَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، لَكِنَّ ظَاهِرَ الْهِدَايَةِ أَنَّ صُورَةَ الْكَرَاهَةِ إنَّمَا هِيَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا. اهـ.
قُلْت: وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ آنِفًا عَنْ الْفَتْحِ (قَوْلُهُ: وَكَدْمٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ فِعْلُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَتَلَ وَهُوَ الْعَضُّ بِأَدْنَى الْفَمِ (قَوْلُهُ: إنْ ظَنَّ أَنَّهَا ضَالَّةٌ) أَيْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِأَنْ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ بِقُرْبِهِ بَيْتُ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٌ أَوْ قَافِلَةٌ نَازِلَةٌ أَوْ دَوَابُّ فِي مَرَاعِيهَا بَحْرٌ عَنْ الْحَاوِي.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَالَ لَهُ قَاضٍ إلَخْ) أَيْ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ مِنْ الْمُلْتَقِط كَمَا شَرَطَهُ فِي الْأَصْلِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَصْبًا فِي يَدِهِ، وَالْبَيِّنَةُ لِكَشْفِ الْحَالِ لَا لِلْقَضَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا خَصْمٌ، وَصَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ كَذَلِكَ، وَإِنْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي يَقُولُ لَهُ بَيْنَ يَدَيَّ ثِقَاتٌ أَنْفِقْ عَلَيْهَا إنْ كُنْت صَادِقًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ جَعَلَ وَلَاءَ اللَّقِيطِ لِلْمُلْتَقِطِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ فِي فَصْلٍ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَعَلَيْهِ لَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا بِالْإِنْفَاقِ بِلَا أَمْرِهِ إذَا أَشْهَدَ لِيَرْجِعَ كَالْوَصِيِّ بَحْرٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ: لَمْ يَكُنْ دَيْنًا فِي الْأَصَحِّ) ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحِسْبَةِ وَالرُّجُوعِ، فَلَا يَكُونُ دَيْنًا بِالشَّكِّ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: لَا مَا زَعَمَهُ ابْنُ الْمَلِكِ) مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِنْفَاقِ فَادَّعَاهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَصَدَّقَهُ اللَّقِيطُ رَجَعَ عَلَيْهِ ح (قَوْلُهُ: نَهْرٌ) أَصْلُهُ لِلْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وَالْمَدْيُونُ) أَيْ الَّذِي يُثْبِتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute