(وَمَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَرِثُ مِنْ غَيْرِهِ) حَتَّى لَوْ مَاتَ رَجُلٌ عَنْ بِنْتَيْنِ وَابْنٍ مَفْقُودٍ وَلِلْمَفْقُودِ بِنْتَانِ وَأَبْنَاءٌ وَالتَّرِكَةُ فِي يَدِ الْبِنْتَيْنِ وَالْكُلُّ مُقِرُّونَ بِفَقْدِ الِابْنِ وَاخْتَصَمُوا لِلْقَاضِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحَرِّكَ الْمَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ: أَيْ لَا يَنْزِعُهُ مِنْ يَدِ الْبِنْتَيْنِ خِزَانَةُ الْمُفْتِينَ
(وَلَا يَسْتَحِقُّ مَا أَوْصَى لَهُ إذَا مَاتَ الْمُوصِي بَلْ يُوقَفُ قِسْطُهُ إلَى مَوْتِ أَقْرَانِهِ فِي بَلَدِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ) لِأَنَّهُ الْغَالِبُ،
ــ
[رد المحتار]
قُلْت: وَنَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِدَّةُ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ الَّتِي بَلَغَتْ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ امْتَدَّ طُهْرُهَا فَإِنَّهَا تَبْقَى فِي الْعِدَّةِ إلَى أَنْ تَحِيضَ ثَلَاثَ حِيَضٍ. وَعِنْدَ مَالِكٍ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةِ أَشْهُرٍ. وَقَدْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ. وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ كَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُفْتُونَ بِهِ لِلضَّرُورَةِ. وَاعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّهُ لَا دَاعِيَ إلَى الْإِفْتَاءِ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ لِإِمْكَانِ التَّرَافُعِ إلَى مَالِكِيٍّ يَحْكُمُ بِمَذْهَبِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ مَشَى ابْنُ وَهْبَانَ فِي مَنْظُومَتِهِ هُنَاكَ، لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْكَلَامَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مَالِكِيٌّ يَحْكُمُ بِهِ (قَوْلُهُ: وَمَيِّتٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَهُوَ فِي حَقِّ نَفْسِهِ حَيٌّ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَلِلْمَفْقُودِ بِنْتَانِ وَأَبْنَاءٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِالْمَدِّ جَمْعُ ابْنٍ، إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُفْرَدًا مَنْصُوبًا. وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَابْنَانِ بِصِيغَةِ الْمُثَنَّى، وَفِي بَعْضِهَا وَابْنٌ بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ (قَوْلُهُ: وَالتَّرِكَةُ فِي يَدِ الْبِنْتَيْنِ) أَيْ بِنْتَيْ الرَّجُلِ الْمَيِّتِ. وَاعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سِتَّ صُوَرٍ وَالْمَذْكُورُ هُنَا صُورَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهَا.
وَحَاصِلُ الصُّوَرِ أَنَّ الْمَالَ، إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ فِي يَدِ الْبِنْتَيْنِ أَوْ فِي يَدِ أَوْلَادِ الِابْنِ، وَعَلَى كُلٍّ إمَّا أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى الْفَقْدِ أَوْ يُنْكِرَهُ مَنْ فِي يَدِهِ الْمَالُ وَيَدَّعِي أَنَّهُ مَاتَ، وَأَحْكَامُ الْكُلِّ مُبَيَّنَةٌ فِي الْفَتْحِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت (قَوْلُهُ: أَيْ لَا يَنْزِعُهُ مِنْ يَدِ الْبِنْتَيْنِ) بَلْ يَقْضِي لَهُمَا بِالنِّصْفِ مِيرَاثًا وَيُوقَفُ النِّصْفُ فِي أَيْدِيهِمَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ، فَإِنْ ظَهَرَ الْمَفْقُودُ حَيًّا دُفِعَ إلَيْهِ، وَإِنْ ظَهَرَ مَيِّتًا أُعْطِيَ الْبِنْتَانِ سُدُسَ كُلِّ الْمَالِ مِنْ ذَلِكَ النِّصْفِ وَالثُّلُثُ الْبَاقِي لِأَوْلَادِ الِابْنِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَتْحٌ
(قَوْلُهُ: وَلَا يَسْتَحِقُّ إلَخْ) أَيْ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِحْقَاقِهِ لِلْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَا بِعَدَمِهِ، بَلْ يُوقَفُ إلَى ظُهُورِ الْحَالِ، فَإِنْ ظَهَرَ إلَى آخِرِ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (قَوْلُهُ: إلَى مَوْتِ أَقْرَانِهِ) هَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِالْوَصِيَّةِ بَلْ هُوَ حُكْمُهُ الْعَامُّ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ مِنْ قِسْمَةِ مِيرَاثِهِ وَبَيْنُونَةِ زَوْجَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: فِي بَلَدِهِ) هُوَ الْأَصَحُّ بَحْرٌ، وَقِيلَ الْمُعْتَبَرُ مَوْتُ أَقْرَانِهِ مِنْ جَمِيعِ الْبِلَادِ فَإِنَّ الْأَعْمَارَ قَدْ تَخْتَلِفُ طُولًا وَقِصَرًا بِحَسَبِ الْأَقْطَارِ بِحَسَبِ إجْرَائِهِ سُبْحَانَهُ الْعَادَةَ، وَلِذَا قَالُوا: الصَّقَالِبَةُ أَطْوَلُ أَعْمَارًا مِنْ الرُّومِ، لَكِنْ فِي تَعَرُّفِ مَوْتِ أَقْرَانِهِ مِنْ الْبِلَادِ حَرَجٌ عَظِيمٌ، بِخِلَافِهِ مِنْ بَلَدِهِ فَإِنَّمَا فِيهِ نَوْعُ حَرَجٍ مُحْتَمَلٍ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقِيلَ يُقَدَّرُ بِتِسْعِينَ سَنَةً بِتَقْدِيمِ التَّاءِ مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِ وَاخْتَارَهُ فِي الْكَنْزِ، وَهُوَ الْأَرْفَقُ هِدَايَةٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَخِيرَةٌ، وَقِيلَ بِمِائَةٍ، وَقِيلَ بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَاخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ سِتِّينَ سَنَةً وَاخْتَارَ ابْنُ الْهُمَامِ سَبْعِينَ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى السَّبْعِينَ» فَكَانَتْ الْمُنْتَهَى غَالِبًا. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّهُ حَكَاهُ فِي الْيَنَابِيعِ عَنْ بَعْضِهِمْ. قَالَ فِي الْبَحْرِ: وَالْعَجَبُ كَيْفَ يَخْتَارُونَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ مَعَ أَنَّهُ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ عَلَى مُقَلِّدِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ التَّفَحُّصَ عَنْ مَوْتِ الْأَقْرَانِ غَيْرُ مُمْكِنٍ أَوْ فِيهِ حَرَجٌ، فَعَنْ هَذَا اخْتَارُوا تَقْدِيرَهُ بِالسِّنِّ. اهـ.
قُلْت: وَقَدْ يُقَالُ: لَا مُخَالَفَةَ بَلْ هُوَ تَفْسِيرٌ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مَوْتُ الْأَقْرَانِ، لَكِنْ اخْتَلَفُوا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ اعْتَبَرَ أَطْوَلَ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ الْأَقْرَانُ غَالِبًا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ تِسْعُونَ أَوْ مِائَةٌ أَوْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، وَمِنْهُمْ وَهُمْ الْمُتَأَخِّرُونَ اعْتَبَرُوا الْغَالِبَ مِنْ الْأَعْمَارِ، أَيْ أَكْثَرَ مَا يَعِيشُ إلَيْهِ الْأَقْرَانُ غَالِبًا لَا أَطْوَلَهُ فَقَدَّرُوهُ بِسِتِّينَ؛ لِأَنَّ مَنْ يَعِيشُ فَوْقَهَا نَادِرٌ وَالْحُكْمُ لِلْغَالِبِ، وَقَدَّرَهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِسَبْعِينَ لِلْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهَا نِهَايَةُ هَذَا الْغَالِبِ وَيُشِيرُ إلَى هَذَا الْجَوَابِ قَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ حِكَايَةِ الْأَقْوَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute