قُلْت: لَكِنَّ فِي مَعْرُوضَاتِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ أَنَّ الْقُضَاةَ وَأُمَنَاءَ بَيْتِ الْمَالِ فِي زَمَنِنَا مَأْمُورُونَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يُخَفْ فَسَادُهُ فَإِنْ ظَهَرَ حَيًّا فَلَهُ الثَّمَنُ لِأَنَّ الْقُضَاةَ غَيْرُ مَأْمُورِينَ بِفَسْخِهِ، نَعَمْ إذَا بِيعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَلَهُ فَسْخُهُ اهـ فَلْيُحْفَظْ.
(وَيُنْفِقُ عَلَى عُرْسِهِ وَقَرِيبِهِ وِلَادًا) وَهُمْ أُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ (وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَوْ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ) خِلَافًا لِمَالِكٍ
ــ
[رد المحتار]
لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مَنْقُولًا لَا لَوْ عَقَارًا. وَعَلَى هَذَا لَوْ رَهَنَ الْمَدْيُونُ وَغَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَرَفَعَ الْمُرْتَهِنُ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي لِيَبِيعَ الرَّهْنَ بِدَيْنِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. اهـ.
قُلْت: وَمَسْأَلَةُ بَيْعِ الْمَبِيعِ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْبُيُوعِ، وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ غَابَ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ لَيْسَ لِلْقَاضِي بَيْعُهُ، وَمَسْأَلَةُ بَيْعِ الرَّهْنِ ذَكَرَهَا الشَّارِحُ فِي كِتَابِ الرَّهْنِ، وَمُقْتَضَى قِيَاسِ هَذِهِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَخْصِيصُ الرَّهْنِ بِكَوْنِهِ مَنْقُولًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَأْمُورُونَ بِالْبَيْعِ) أَيْ أَمَرَهُمْ السُّلْطَانُ بِذَلِكَ.
أَقُولُ: كَيْفَ يُتَّجَهُ هَذَا الْأَمْرُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِمَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ كَالْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَكَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بِلَا حِكَايَةِ خِلَافٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ إذْنٌ لِلْقُضَاةِ بِالْحُكْمِ عَلَى مَذْهَبِ الْغَيْرِ، لَكِنْ فِي حُكْمِ الْقَاضِي بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ كَلَامٌ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ، عَلَى أَنَّ أَمْرَ قُضَاةِ زَمَانِهِ لَا يَسْرِي عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا حَرَّرَهُ فِي الْخَيْرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَيُنْفِقُ) أَيْ الْوَكِيلُ الْمَنْصُوبُ نَهْرٌ: أَيْ يُنْفِقُ مِنْ مَالِ الْمَفْقُودِ الْحَاصِلِ فِي بَيْتِهِ وَالْوَاصِلِ مِنْ ثَمَنِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ وَمِنْ مَالٍ مَوْدُوعٍ عِنْدَ مُقِرٍّ وَدَيْنٍ عَلَى مُقِرٍّ، وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ (قَوْلُهُ: وِلَادًا) نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ نَهْرٌ (قَوْلُهُ: وَهُمْ أُصُولُهُ وَفُرُوعُهُ) أَعَادَ الضَّمِيرَ بِالْجَمْعِ عَلَى الْقَرِيبِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْأَكْثَرِ، وَالْمُرَادُ الْأُصُولُ وَإِنْ عَلَوْا وَالْفُرُوعُ وَإِنْ سَفَلُوا وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْفَقْرُ فِي الْأُصُولِ اسْتِغْنَاءً بِمَا مَرَّ فِي النَّفَقَاتِ؛ وَإِنَّمَا يُنْفَقُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ لَهُمْ وَلَا يُتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَانَ إعَانَةً لَهُمْ، بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ مِنْ الْأَخِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ وُجُوبَهَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، فَكَانَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مُقَيَّدٌ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالتِّبْرِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي الْمَطْعُومِ وَالْمَلْبُوسِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مَالِهِ اُحْتِيجَ إلَى الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ وَهِيَ النَّقْدَانِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي الْأَبِ فَإِنَّ لَهُ بَيْعَ الْعَرْضِ لِنَفَقَتِهِ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي النَّفَقَاتِ أَنَّ لِهَؤُلَاءِ أَخْذَ النَّفَقَةِ مِنْ مُودَعِهِ وَمَدْيُونِهِ الْمُقِرَّيْنِ بِالنِّكَاحِ وَالنَّسَبِ إذَا لَمْ يَكُونَا ظَاهِرَيْنِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَإِنْ ظَهَرَا لَمْ يُشْتَرَطْ أَوْ أَحَدُهُمَا اُشْتُرِطَ الْإِقْرَارُ بِمَا خَفِيَ هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْوَدِيعَةَ وَالدَّيْنَ لَمْ يَنْتَصِبْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ خَصْمًا فِيهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا مَرَّتْ نَهْرٌ: أَيْ مَرَّتْ فِي النَّفَقَاتِ. مَطْلَبٌ فِي الْإِفْتَاءِ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي زَوْجَةِ الْمَفْقُودِ
(قَوْلُهُ: خِلَافًا لِمَالِكٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ تَعْتَدُّ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ عِدَّةَ الْوَفَاةِ بَعْدَ مُضِيِّ أَرْبَعِ سِنِينَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمُ وَأَمَّا الْمِيرَاثُ فَمَذْهَبُهُمَا كَمَذْهَبِنَا فِي التَّقْدِيرِ بِتِسْعِينَ سَنَةً، أَوْ الرُّجُوعِ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ إنْ كَانَ يَغْلِبُ عَلَى حَالِهِ الْهَلَاكُ كَمَنْ فُقِدَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ أَوْ فِي مَرْكَبٍ قَدْ انْكَسَرَ أَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ قَرِيبَةٍ فَلَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ فَهَذَا بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ يُقْسَمُ مَالُهُ وَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ كَالْمُسَافِرِ لِتِجَارَةٍ أَوْ لِسِيَاحَةٍ فَإِنَّهُ يُفَوَّضُ لِلْحَاكِمِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَفِي أُخْرَى يُقَدَّرُ بِتِسْعِينَ مِنْ مَوْلِدِهِ كَمَا فِي شَرْحِ ابْنِ الشِّحْنَةِ، لَكِنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى النَّاظِمِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِلْحَنَفِيِّ إلَى ذَلِكَ أَيْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَذْهَبِنَا فَحَذْفُهُ أَوْلَى. وَقَالَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: لَيْسَ بِأَوْلَى، لِقَوْلِ الْقُهُسْتَانِيِّ: لَوْ أَفْتَى بِهِ فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى مَا أَظُنُّ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute