أَوْ رَقِيقٍ وَنَحْوِهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ وَلَا نَائِبٍ عَنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ وَكِيلٌ بِالْقَبْضِ مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ بِلَا خِلَافٍ؛ وَلَوْ قَضَى بِخُصُومَتِهِ لَمْ يَنْفُذْ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْقَضَاءِ وَتَبِعَهُ الْكَمَالُ إلَّا بِتَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ، لَكِنَّ فِي الْخُلَاصَةِ: الْفَتْوَى عَلَى النَّفَاذِ يَعْنِي لَوْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا نَهْرٌ
(وَلَا يَبِيعُ) الْقَاضِي (مَا لَا يَخَافُ فَسَادُهُ فِي نَفَقَةٍ وَلَا فِي غَيْرِهَا، بِخِلَافِ مَا يُخَافُ فَسَادُهُ) فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ.
ــ
[رد المحتار]
ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ: مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ أَحَدُهُمَا مَفْقُودٌ فَزَعَمَ وَرَثَةُ الْمَفْقُودِ أَنَّهُ حَيٌّ وَلَهُ الْمِيرَاثُ وَالِابْنُ الْآخَرُ يَزْعُمُ مَوْتَهُ لَا خُصُومَةَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ وَرَثَةَ الْمَفْقُودِ اعْتَرَفُوا أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي التَّرِكَةِ فَكَيْفَ يُخَاصِمُونَ عَمَّهُمْ اهـ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُمْ بِحَيَاتِهِ اعْتِرَافٌ بِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (قَوْلُهُ: وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ مَا ذَكَرَ مِنْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ مُطَالَبَةٍ لِاسْتِحْقَاقٍ بَحْرٌ (قَوْلُهُ: بِلَا خِلَافٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَضَمُّنِ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَهُمْ فِيمَنْ وَكَّلَهُ الْمَالِكُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ هَلْ يَمْلِكُ الْخُصُومَةَ أَمْ لَا؟ فَعِنْدَهُ يَمْلِكُهَا وَعِنْدَهُمَا لَا. اهـ. ح عَنْ الزَّيْلَعِيِّ.
مَطْلَبٌ: قَضَاءُ الْقَاضِي ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (قَوْلُهُ: لَمْ يَنْفُذْ) اعْلَمْ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَرِدُ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ مَا خَالَفَ النَّصَّ أَوْ الْإِجْمَاعَ. وَقِسْمٌ يَمْضِي بِكُلِّ حَالٍ، حَتَّى لَوْ رُفِعَ إلَى قَاضٍ آخَرَ لَا يَرَاهُ نَفَّذَهُ وَأَمْضَاهُ وَلَا يُبْطِلُهُ، وَهُوَ مَا يَكُونُ الْخِلَافُ فِيهِ لَا فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ بَلْ فِي سَبَبِهِ. وَأَمْثِلَتُهُ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا لَوْ قَضَى شَافِعِيٌّ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِينَ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَوْ قَضَى لِامْرَأَةٍ بِشَهَادَةِ زَوْجِهَا وَأَجْنَبِيٍّ نَفَذَ؛ وَلَوْ رُفِعَ إلَى حَنَفِيٍّ لَزِمَهُ تَنْفِيذُهُ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي سَبَبِ الْقَضَاءِ، وَهُوَ أَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ هَلْ تَصِيرُ حُجَّةً لِلْحُكْمِ أَمْ لَا، أَمَّا نَفْسُ الْحُكْمِ فَلَا اخْتِلَافَ فِيهِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْحُكْمُ الْمُجْتَهَدُ فِيهِ، وَهُوَ مَا يَقَعُ الْخِلَافُ فِيهِ فِي نَفْسِ الْحُكْمِ؛ فَقِيلَ يَنْفُذُ أَيْضًا، وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ إلَّا إذَا نَفَّذَهُ قَاضٍ آخَرُ، فَإِذَا نَفَّذَهُ الثَّانِي نَفَذَ، حَتَّى لَوْ رُفِعَ إلَى ثَالِثٍ أَمْضَاهُ وَإِذَا أَبْطَلَهُ الثَّانِي فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُجِيزَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ. وَبَعْضُهُمْ صَحَّحَ الْأَوَّلَ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَضَى لِوَلَدِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ لِامْرَأَتِهِ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَضَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ، فَقِيلَ هُوَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَلَا يَنْفُذُ إلَّا بِتَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَالْكَمَالِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ. وَقِيلَ هُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي فَيَنْفُذُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى تَنْفِيذِ قَاضٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ الْخُلَاصَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ لَا فِي نَفْسِ الْقَضَاءِ بَلْ فِي سَبَبِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ هَلْ تَكُونُ حُجَّةً مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ أَوْ لَا؟ (قَوْلُهُ: يَعْنِي لَوْ الْقَاضِي مُجْتَهِدًا) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ مُقَلِّدًا الْمُجْتَهِدَ، وَهَذَا تَرْجِيحٌ لِمَا حَقَّقَهُ فِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ فِي نَفَاذِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْقَاضِي صِحَّةَ هَذَا الْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ وَسَيَأْتِي فِي الْقَضَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْقِيقُ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَبِيعُ الْقَاضِي مَا لَا يُخَافُ فَسَادُهُ) مَنْقُولًا كَانَ أَوْ عَقَارًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْغَائِبِ إلَّا فِي الْحِفْظِ، وَفِي الْبَيْعِ تَرْكُ حِفْظِ الصُّورَةِ بِلَا مُلْجِئٍ، وَمَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ كَالثِّمَارِ وَنَحْوِهَا يَبِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ حِفْظُ صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَيَنْظُرُ لِلْغَائِبِ بِحِفْظِ مَعْنَاهُ اهـ مِنْ الْهِدَايَةِ وَالْفَتْحِ.
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَشَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ: لِلْقَاضِي بَيْعُ مَالِ الْمَفْقُودِ وَالْأَسِيرِ مِنْ الْمَتَاعِ وَالرَّقِيقِ وَالْعَقَارِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْفَسَادُ، وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهَا لِنَفَقَةِ عِيَالِهِمَا، وَإِنْ بَاعَهَا لِخَوْفِ الضَّيَاعِ فَصَارَتْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ يُعْطِي النَّفَقَةَ مِنْهَا بِطَرِيقَةٍ. اهـ. وَفِيهِ شَرَاهُ فَغَابَ قَبْلَ قَبْضِهِ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً وَلَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ جَازَ لِلْقَاضِي بَيْعُ الْمَبِيعِ وَإِيفَاءُ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute