للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ صَارَ مُحْدِثًا لَا جُنُبًا، فَيَتَوَضَّأُ وَيَنْزِعُ خُفَّيْهِ ثُمَّ بَعْدَهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَمُرَّ بِالْمَاءِ، فَمَعَ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِمَعْنَى بَعْدُ كَمَا فِي {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: ٦] فَافْهَمْ. (وَقُدْرَةُ مَاءٍ) وَلَوْ إبَاحَةً فِي صَلَاةٍ (كَافٍ لِطُهْرِهِ) وَلَوْ مَرَّةً مَرَّةً (فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ)

ــ

[رد المحتار]

قَوْلُهُ فَلَوْ تَيَمَّمَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ صَحِيحٌ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَتْنِ؛ لِأَنَّ مَنْطُوقَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ عَنْ حَدَثٍ انْتَقَضَ بِنَاقِضِ أَصْلِهِ وَهُوَ الْوُضُوءُ وَذَلِكَ كُلُّ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ تَيَمَّمَ عَنْ جَنَابَةٍ انْتَقَضَ بِنَاقِضِ أَصْلِهِ وَهُوَ الْغُسْلُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِغَيْرِ نَاقِضِ أَصْلِهِ، فَفَرَّعَ عَلَى هَذَا الْمَفْهُومِ كَمَا هُوَ عَادَتُهُ فِي مَوَاضِعَ لَا تُحْصَى أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ ثُمَّ أَحْدَثَ لَا يَنْتَقِضُ تَيَمُّمُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَنْقُضُ أَصْلَهُ وَهُوَ الْغُسْلُ، فَلَا يَصِيرُ جُنُبًا وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُحْدِثًا بِهَذَا الْحَدَثِ الْعَارِضِ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ فَيَتَوَضَّأُ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى التَّفْرِيعِ: أَيْ وَإِذَا صَارَ مُحْدِثًا فَيَتَوَضَّأُ حَيْثُ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ وَلَوْ مَرَّةً مَرَّةً، وَلَكِنْ لَوْ كَانَ لَبِسَ الْخُفَّ بَعْدَ ذَلِكَ التَّيَمُّمِ وَقَبْلَ الْحَدَثِ يَنْزِعُهُ وَيَغْسِلُ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ بِالتَّيَمُّمِ نَاقِصَةٌ مَعْنًى، وَلَا يَمْسَحُ إلَّا إذَا لَبِسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ تَامَّةٍ وَهِيَ طَهَارَةُ الْوُضُوءِ لَا طَهَارَةُ التَّيَمُّمِ عَلَى مَا سَيَأْتِي؛ نَعَمْ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ أَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ يَمْسَحُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وُضُوءٍ كَامِلٍ، وَالْمَسْحُ لِلْحَدَثِ لَا لِلْجَنَابَةِ إلَّا إذَا مَرَّ بِالْمَاءِ الْكَافِي لِلْغُسْلِ فَحِينَئِذٍ لَا يَمْسَحُ بَلْ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ مِنْ أَصْلِهِ وَيَعُودُ جُنُبًا عَلَى حَالِهِ الْأَوَّلِ؛ فَلَوْ جَاوَزَ الْمَاءَ وَلَمْ يَغْتَسِلْ يَتَيَمَّمُ لِلْجَنَابَةِ.

ثُمَّ إذَا أَحْدَثَ وَوَجَدَ مَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ تَوَضَّأَ وَنَزَعَ الْخُفَّ وَغَسَلَ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا يَمْنَعُهَا الْخُفُّ كَمَا سَيَأْتِي، ثُمَّ بَعْدَهُ يَمْسَحُ مَا لَمْ يَمُرَّ بِالْمَاءِ وَهَكَذَا (قَوْلُهُ فَمَعَ إلَخْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَتَوَضَّأُ، حَيْثُ أَفَادَ أَنَّهُ وَجَدَ مَاءً يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ إنَّمَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إذَا أَحْدَثَ بَعْدَ تَيَمُّمِهِ عَنْ الْجَنَابَةِ، أَمَّا لَوْ وَجَدَهُ وَقْتَ التَّيَمُّمِ قَبْلَ الْحَدَثِ لَا يَلْزَمُهُ عِنْدَنَا الْوُضُوءُ بِهِ عَنْ الْحَدَثِ الَّذِي مَعَ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ، إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ التَّيَمُّمِ؛ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ: إذَا كَانَ لِلْجُنُبِ مَاءٌ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ لَا الْغُسْلِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ لَا الْوُضُوءُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.

أَمَّا إذَا كَانَ مَعَ الْجَنَابَةِ حَدَثٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، فَالتَّيَمُّمُ لِلْجَنَابَةِ بِالِاتِّفَاقِ اهـ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَنْفَكُّ عَنْ حَدَثٍ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَقَدْ قَالَ أَوَّلًا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ لَا الْوُضُوءُ؛ فَقَوْلُهُ ثَانِيًا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ. تَنَاقُضٌ وَجَوَابُهُ كَمَا قَالَ الْقُهُسْتَانِيُّ إنَّ مَعَ فِي قَوْلِهِ مَعَ الْجَنَابَةِ بِمَعْنَى بَعْدُ.

وَلَمَّا كَانَ فِي هَذَا التَّفْرِيعِ وَالْجَوَابِ دِقَّةٌ وَخَفَاءٌ وَدَفْعٌ لِاعْتِرَاضَاتِ الْمُحَشِّينَ عَلَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَمَرَ بِالتَّفَهُّمِ، وَلِلَّهِ دَرُّ هَذَا الشَّارِحِ عَلَى هَذِهِ الرُّمُوزِ الَّتِي هِيَ مَفَاتِيحُ الْكُنُوزِ (قَوْلُهُ وَلَوْ إبَاحَةً) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ: أَيْ وَلَوْ أَبَاحَهُ مَالِكُهُ لَهُ إبَاحَةً كَانَ قَادِرًا أَوْ تَمْيِيزٌ أَوْ حَالٌ: أَيْ وَلَوْ وُجِدَتْ الْقُدْرَةُ مِنْ جِهَةِ الْإِبَاحَةِ أَوْ فِي حَالِ الْإِبَاحَةِ وَأَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا لَوْ كَانُوا جَمَاعَةً وَالْمَاءُ الْمُبَاحُ يَكْفِي أَحَدَهُمْ فَقَطْ، فَيَنْتَقِضُ تَيَمُّمُ الْكُلِّ لِتَحَقُّقِ الْإِبَاحَةِ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وُهِبَ لَهُمْ فَقَبَضُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصِيبُ كُلًّا مِنْهُمْ مَا يَكْفِيهِ.

وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ (قَوْلُهُ فِي صَلَاةٍ) مِنْ مَدْخُولِ الْمُبَالَغَةِ: أَيْ وَلَوْ كَانَتْ الْقُدْرَةُ أَوْ الْإِبَاحَةُ فِي صَلَاةٍ يَنْتَقِضُ التَّيَمُّمُ وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا، إلَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ سُؤْرَ حِمَارٍ فَإِنَّهُ يَمْضِي فِيهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا بِسُؤْرِ الْحِمَارِ، لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ، فَمَا فِي الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّهَا تَفْسُدُ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحَانِ.

وَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ مُنْيَةٌ: أَيْ إلَّا إذَا كَانَ الْعُذْرُ الْمُبِيحُ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ فَيُعِيدُ وَلَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ، فَتَنَبَّهْ حِلْيَةٌ (قَوْلُهُ كَافٍ لِطُهْرِهِ) أَيْ لِلْوُضُوءِ لَوْ مُحْدِثًا، وَلِلِاغْتِسَالِ وَلَوْ جُنُبًا. وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ يَكْفِي لِبَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ عِنْدَنَا ابْتِدَاءً كَمَا مَرَّ، فَلَا يَنْقُضُ كَمَا فِي الْحِلْيَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ مَرَّةً مَرَّةً) فَلَوْ غَسَلَ بِهِ كُلَّ عُضْوٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَنَقَصَ عَنْ إحْدَى رِجْلَيْهِ انْتَقَضَ تَيَمُّمُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>