فَلَمْ يَجُزْ عَلَى مُتَّخَذٍ مِنْ زُجَاجٍ وَخَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ (وَهُوَ جَائِزٌ) فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ إلَّا لِتُهْمَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ، بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُهُ عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا مَا يَكْفِيهِ، أَوْ خَافَ فَوْتَ وَقْتٍ أَوْ وُقُوفِ عَرَفَةَ بَحْرٌ. وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ أَنَّهُ رُخْصَةٌ مُسْقِطَةٌ لِلْعَزِيمَةِ، وَلِهَذَا لَوْ صَبَّ الْمَاءَ فِي خُفِّهِ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ آثِمًا
ــ
[رد المحتار]
فِي الْغَالِبِ يَكُونُ رَاكِبًا وَلَا يَزِيدُ مَشْيُهُ غَالِبًا عَلَى مِقْدَارِ الْفَرْسَخِ فَالْأَظْهَرُ اعْتِبَارُ الْفَرْسَخِ فِي حَقِّهِمَا، وَمَحْمَلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ مَسَافَةُ السَّفَرِ عَلَى السَّفَرِ اللُّغَوِيِّ دُونَ الشَّرْعِيِّ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ كَلَامُ الْقُهُسْتَانِيِّ السَّابِقِ تَأَمَّلْ.
[تَنْبِيهٌ] الْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ صُلُوحِهِ لِقَطْعِ الْمَسَافَةِ أَنْ يَصْلُحَ لِذَلِكَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ لُبْسِ الْمَدَاسِ فَوْقَهُ فَإِنَّهُ قَدْ يَرِقُّ أَسْفَلُهُ وَيَمْشِي بِهِ فَوْقَ الْمَدَاسِ أَيَّامًا وَهُوَ بِحَيْثُ لَوْ مَشَى بِهِ وَحْدَهُ فَرْسَخًا تَخَرَّقَ قَدْرُ الْمَانِعِ، فَعَلَى الشَّخْصِ أَنْ يَتَفَقَّدَهُ وَيَعْمَلَ بِهِ بِغَلَبَةِ ظَنِّهِ.
وَقَدْ وَقَعَ اضْطِرَابٌ بَيْنَ بَعْضِ الْعَصْرِيِّينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالظَّاهِرُ مَا قَدَّمْته وَهُوَ الْأَحْوَطُ أَيْضًا، وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ عِنْدِي بِرُؤْيَا رَأَيْت فِيهَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ تَحْرِيرِ هَذَا الْمَحَلِّ بِأَيَّامٍ فَسَأَلْته عَنْ ذَلِكَ، فَأَجَابَنِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ إذَا رَقَّ الْخُفُّ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مُنِعَ الْمَسْحُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ ١٢٣٤ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ
(قَوْلُهُ فَلَمْ يَجُزْ إلَخْ) وَكَذَا لَوْ لَفَّ عَلَى رِجْلِهِ خِرْقَةً ضَعِيفَةً لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَنْقَطِعُ بِهِ مَسَافَةُ السَّفَرِ. اهـ سِرَاجٌ عَنْ الْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ فَالْغَسْلُ أَفْضَلُ) وَجْهُ التَّفْرِيعِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَسْحُ أَفْضَلَ لَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ، فَعُدُولُهُ إلَى قَوْلِهِ هُوَ جَائِزٌ يُفِيدُ أَنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَشَقُّ عَلَى الْبَدَنِ (قَوْلُهُ إلَّا لِتُهْمَةٍ) أَيْ لِنَفْيِهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ الرَّوَافِضَ وَالْخَوَارِجَ لَا يَرَوْنَهُ، وَإِنَّمَا يَرَوْنَ الْمَسْحَ عَلَى الرِّجْلِ، فَإِذَا مُسِحَ الْخُفُّ انْتَفَتْ التُّهْمَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا غُسِلَ فَإِنَّ الرَّوَافِضَ قَدْ يَغْسِلُونَ تَقِيَّةً وَيَجْعَلُونَ الْغَسْلَ قَائِمًا مَقَامَ الْمَسْحِ فَيَشْتَبِهُ الْحَالُ فِي الْغَسْلِ فَيُتَّهَمُ أَفَادَهُ ح.
ثُمَّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ نَقَلَهُ الْقُهُسْتَانِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيِّ، ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ فِي الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الزَّاهِدِيِّ. اهـ.
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ التَّوْشِيحِ، وَهَذَا مَذْهَبُنَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ: وَقَالَ الرُّسْتُغْفَنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا: الْمَسْحُ أَفْضَلُ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، إمَّا لِنَفْيِ التُّهْمَةِ، أَوْ لِلْعَمَلِ بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ، وَتَمَامُهُ فِيهِ (قَوْلُهُ بَلْ يَنْبَغِي إلَخْ) أَصْلُ الْبَحْثِ لِصَاحِبِ الْبَحْرِ، فَإِنَّهُ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ (قَوْلُهُ إلَّا مَا يَكْفِيهِ) أَيْ يَكْفِي الْمَسْحَ فَقَطْ، بِأَنْ كَانَ لَوْ غَسَلَ بِهِ رِجْلَيْهِ لَا يَكْفِيهِ لِلْوُضُوءِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ بِهِ وَمَسَحَ كَفَاهُ (قَوْلُهُ أَوْ خَافَ) عَطْفٌ عَلَى صِلَةِ مَنْ (قَوْلُهُ أَوْ وُقُوفِ) أَيْ إنَّهُ إذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ، لَكِنْ يَخَافُ فَوْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَإِذَا مَسَحَ يُدْرِكُهَا جَمِيعًا يَجِبُ الْمَسْحُ، بَلْ لَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ قَدَّمَ الْوُقُوفَ لِلْمَشَقَّةِ كَمَا فِي النَّهْرِ، لَكِنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ حَكَاهُمَا الْعِمَادِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ (قَوْلُهُ رُخْصَةٌ) هِيَ مَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ، وَيُقَابِلُهَا الْعَزِيمَةُ، وَهِيَ مَا كَانَ أَصْلُهَا غَيْرَ مَبْنِيٍّ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي تَعْرِيفِهِمَا بَحْرٌ (قَوْلُهُ مُسْقِطَةٌ لِلْعَزِيمَةِ) أَيْ مُسْقِطَةٌ لِمَشْرُوعِيَّتِهَا، فَلَا تَبْقَى الْعَزِيمَةُ مَشْرُوعَةً فَإِذَا أَرَادَ تَحْصِينَ الْعَزِيمَةِ مَعَ بَقَاءِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ يَأْثَمُ، لَكِنَّهُ قَدْ لَا يَتَأَتَّى لَهُ تَحْصِيلُهَا، كَمَا إذَا نَوَى الظُّهْرَ أَرْبَعًا فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى لَهُ جَعْلُ الْأَرْبَعَةِ فَرْضًا، بَلْ الْفَرْضُ الْأُولَيَانِ إذَا قَعَدَ الْقَعْدَةَ الْأُولَى، وَإِثْمُهُ حِينَئِذٍ لِبِنَاءِ النَّفْلِ عَلَى الْفَرْضِ، وَقَدْ يَتَأَتَّى لَهُ تَحْصِيلُهَا كَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا أَفَادَهُ ح عَنْ شَيْخِهِ السَّيِّدِ. ثُمَّ قَالَ: وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ مُسْقِطَةٌ عَنْ رُخْصَةِ التَّرْفِيهِ، فَإِنَّ الْعَزِيمَةَ تَبْقَى فِيهَا مَشْرُوعَةً مَعَ بَقَاءِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ كَالصَّوْمِ فِي السَّفَرِ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ آثِمًا) أَيْ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْعَزِيمَةَ لَمْ تَبْقَ مَشْرُوعَةً مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا، بِخِلَافِ مَا إذَا نَزَعَ وَغَسَلَ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute