(بِسُنَّةٍ مَشْهُورَةٍ) فَمُنْكِرُهُ مُبْتَدِعٌ، وَعَلَى رَأْيِ الثَّانِي كَافِرٌ. وَفِي التُّحْفَةِ ثُبُوتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ بِالتَّوَاتُرِ
ــ
[رد المحتار]
هَذَا وَقَدْ بَحَثَ الْعَلَّامَةُ الزَّيْلَعِيُّ فِي جَعْلِهِمْ الْمَسْحَ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ بِأَنَّ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ لَوْ خَاضَ مَاءً بِخُفِّهِ فَانْغَسَلَ أَكْثَرُ قَدَمَيْهِ بَطَلَ الْمَسْحُ؛ وَكَذَا لَوْ تَكَلَّفَ غَسْلَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، قَالَ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَزِيمَةَ مَشْرُوعَةٌ مَعَ الْخُفِّ. اهـ.
وَدَفَعَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِمَنْعِ صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ، لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَتَبْقَى الْقَدَمُ عَنْ طَهَارَتِهَا وَيَحُلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ بِالْمَسْحِ، فَيَكُونُ غَسْلُ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمُهُ سَوَاءً فِي أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ بِهِ الْحَدَثُ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ.
وَاعْتَرَضَ أَيْضًا فِي الدُّرَرِ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ مَعَ تَسْلِيمِ صِحَّةِ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّ الْمَشْرُوعِيَّةَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ مُسْقِطَةٌ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْعَزِيمَةِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الصِّحَّةَ كَمَا فَهِمَهُ الزَّيْلَعِيُّ فَاعْتَرَضَهُمْ بِالْفَرْعِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا الْجَوَازُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ فَالْمُتَخَفِّفُ مَا دَامَ مُتَخَفِّفًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْغَسْلُ، حَتَّى إذَا تَكَلَّفَ وَغَسَلَ بِلَا نَزْعٍ أَثِمَ، وَإِنْ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ، وَإِذَا نَزَعَ وَزَالَ التَّرَخُّصُ صَارَ الْغُسْلُ مَشْرُوعًا يُثَابُ عَلَيْهِ، وَقَدْ انْتَصَرَ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمُنْيَةِ لِلْإِمَامِ الزَّيْلَعِيِّ. وَأَجَابَ عَمَّا فِي الْبَدَائِعِ وَالدُّرَرِ، وَبَيَّنَّا مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ النَّظَرِ فِيمَا عَلَّقْنَاهُ عَلَى الْبَحْرِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ تَبَعًا لِعَامَّةِ الْكُتُبِ مُسَلَّمٌ بَلْ صَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الشَّارِحُ فِي النَّوَاقِصِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ مَنْعِ صِحَّتِهِ مُوَافِقٌ لِمَا نَقَلَهُ الزَّاهِدِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي السِّرَاجِ؛ وَمَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِيمَا سَيَأْتِي، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فَافْهَمْ
(قَوْلُهُ بِسُنَّةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَائِزٌ. وَهِيَ لُغَةً: الطَّرِيقَةُ وَالْعَادَةُ. وَاصْطِلَاحًا فِي الْعِبَادَاتِ النَّافِلَةُ، وَفِي الْأَدِلَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوْ تَقْرِيرًا لِأَمْرٍ عَايَنَهُ، وَالْمَسْحُ رُوِيَ قَوْلًا وَفِعْلًا. مَطْلَبٌ تَعْرِيفُ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ (قَوْلُهُ مَشْهُورَةٍ) الْمَشْهُورُ فِي أُصُولِ الْحَدِيثِ مَا يَرْوِيهِ أَكْثَرُ مِنْ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ مِنْ طَبَقَاتِ الرُّوَاةِ وَلَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ وَفِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَا يَكُونُ مِنْ الْآحَادِ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ: أَيْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ يَنْقُلُهُ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ قَوْمٌ لَا يُتَوَهَّمُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، فَإِنَّهُ كَانَ كَذَلِكَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ أَيْضًا فَهُوَ الْمُتَوَاتِرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي الْعَصْرِ الثَّانِي أَيْضًا فَهُوَ الْآحَادُ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ قَسِيمٌ لِلْآحَادِ وَالْمُتَوَاتِرِ: وَأَمَّا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَهُوَ قِسْمٌ مِنْ الْآحَادِ، وَهُوَ مَا لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ التَّوَاتُرِ.
وَاَلَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِي تَبْدِيعِ مُنْكِرِهِ أَوْ تَكْفِيرِهِ هُوَ الْمَشْهُورُ الْمُصْطَلَحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ لَا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَعَلَى رَأْيِ الثَّانِي كَافِرٌ) أَيْ بِنَاءً عَلَى جَعْلِهِ الْمَشْهُورَ قِسْمًا مِنْ الْمُتَوَاتِرِ، لَكِنْ قَالَ فِي التَّحْرِيرِ، وَالْحَقُّ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْإِكْفَارِ بِإِنْكَارِ الْمَشْهُورِ لِآحَادِيَّةِ أَصْلِهِ، فَلَمْ يَكُنْ تَكْذِيبًا لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَلْ ضَلَالَةً لِتَخْطِئَةِ الْمُجْتَهِدِينَ (قَوْلُهُ وَفِي التُّحْفَةِ) أَيْ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ الَّتِي شَرَحَهَا تِلْمِيذُهُ الْكَاشَانِيُّ بِشَرْحٍ عَظِيمٍ سَمَّاهُ الْبَدَائِعَ (قَوْلُهُ بِالْإِجْمَاعِ) وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ الرَّافِضَةِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَهُ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَقَدْ صَحَّ رُجُوعُهُ ح (قَوْلُهُ بَلْ بِالتَّوَاتُرِ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ عِبَارَةِ التُّحْفَةِ، بَلْ عَزَاهُ الْقُهُسْتَانِيُّ إلَى ابْنِ حَجَرٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute