رُوَاتُهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَمَانِينَ مِنْهُمْ الْعَشَرَةُ قُهُسْتَانِيٌّ. وَقِيلَ بِالْكِتَابِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُغَيًّا بِالْكَعْبَيْنِ إجْمَاعًا فَالْجَرُّ بِالْجِوَارِ
(لِمُحْدِثٍ) ظَاهِرُهُ عَدَمُ جَوَازِهِ لِمُجَدِّدِ الْوُضُوءِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا حَصَلَ لَهُ الْقُرْبَةُ بِذَلِكَ صَارَ كَأَنَّهُ مُحْدِثٌ (لَا لِجُنُبٍ) وَحَائِضٍ، وَالْمَنْفِيُّ لَا يَلْزَمُ تَصْوِيرُهُ، وَفِيهِ أَنَّ النَّفْيَ الشَّرْعِيَّ يَفْتَقِرُ إلَى إثْبَاتٍ عَقْلِيٍّ،
ــ
[رد المحتار]
ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْعَدَدَ يُفِيدُ الْيَقِينَ وَالْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ، وَيَرْفَعُ تُهْمَةَ الْكَذِبِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَكَأَنَّ الْإِمَامَ تَوَقَّفَ فِي إفَادَتِهِ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ هَذَا الْعَدَدُ، وَلِذَا قَالَ: أَخَافُ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ الَّتِي جَاءَتْ فِيهِ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ (قَوْلُهُ رُوَاتُهُ) أَيْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ (قَوْلُهُ وَقِيلَ بِالْكِتَابِ) أَيْ بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ فِي - {وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: ٦]- بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ الْمَسْحِ بِهَا، لِعَطْفِهَا عَلَى الْمَمْسُوحِ جَمْعًا بَيْنَهَا وَبَيْنَ قِرَاءَةِ النَّصْبِ الْمُرَادِ بِهَا الْغَسْلُ لِعَطْفِهَا عَلَى الْمَغْسُولِ (قَوْلُهُ فَالْجَرُّ بِالْجِوَارِ) أَيْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ} [هود: ٨٤] {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة: ٢٢] الْمَعْطُوفِ عَلَى {وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة: ١٧]- لَا عَلَى - {بِأَكْوَابٍ} [الواقعة: ١٨]- إذْ لَا يَطُوفُ عَلَيْهِمْ الْوِلْدَانُ بِالْحُورِ وَنَظِيرُهُ فِي الْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ كَثِيرٌ، فَهُوَ فِي الْمَعْنَى مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْصُوبِ، وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْ النَّصْبِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِدَ فِي صَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِمَا وَيُغْسَلَا غَسْلًا خَفِيفًا شَبِيهًا بِالْمَسْحِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ
(قَوْلُهُ لِمُحْدِثٍ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ جَائِزٌ، وَشَمِلَ الْمَرْأَةَ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ. قَالَ فِي غُرَرِ الْأَفْكَارِ: وَالْمُحْدِثُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ فِيمَنْ أَصَابَهُ حَدَثٌ يُوجِبُ الْوُضُوءَ (قَوْلُهُ ظَاهِرُهُ إلَخْ) الْبَحْثُ وَالْجَوَابُ لِلْقُهُسْتَانِيِّ. وَأَقُولُ: قَدْ يُقَالُ إنَّ جَوَازَهُ لِمُجَدِّدِ الْوُضُوءِ تُعْلَمُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا رَفَعَ الْمُحْدَثَ الْحَقِيقِيَّ يَحْصُلُ بِهِ تَجْدِيدُ الطَّهَارَةِ بِالْأَوْلَى، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا لِجُنُبٍ يَدُلُّ بِالْمُقَابَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمُحْدِثَ احْتِرَازٌ عَنْ الْجُنُبِ فَقَطْ تَأَمَّلْ.
مَطْلَبٌ إعْرَابِ قَوْلِهِمْ إلَّا أَنْ يُقَالَ (قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ) اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الظُّرُوفِ؛ لِأَنَّ الْمَصَادِرَ قَدْ تَقَعُ ظُرُوفًا، نَحْوُ آتِيكَ طُلُوعَ الْفَجْرِ: أَيْ وَقْتَ طُلُوعِهِ وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ هُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَالْمَعْنَى ظَاهِرُهُ كَمَا ذَكَرَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ إلَّا وَقْتَ قَوْلِنَا لِمَا حَصَلَ إلَخْ، كَذَا أَفَادَهُ الْمُحَقِّقُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي أَوَائِلِ التَّوْضِيحِ (قَوْلُهُ وَالْمَنْفِيُّ لَا يَلْزَمُ تَصْوِيرُهُ) أَيْ لَا يَلْزَمُ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ صُورَةٌ يُمْكِنُ حُصُولُهَا فِي الذِّهْنِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ إلَخْ) الْبَحْثُ لِلْقُهُسْتَانِيِّ.
بَيَانُهُ أَنَّ النَّفْيَ الشَّرْعِيَّ: أَيْ الَّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْ الشَّرْعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إمْكَانِ تَصْوِيرِ مَا نُفِيَ بِهِ عَقْلًا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَفَادًا مِنْ الشَّرْعِ بَلْ مِنْ الْعَقْلِ، كَقَوْلِنَا: لَا تَجْتَمِعُ الْحَرَكَةُ مَعَ السُّكُونِ، وَصَوَّرُوا لَهُ صُوَرًا مِنْهَا لَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ ثُمَّ لَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ أَحْدَثَ وَوَجَدَ مَاءً يَكْفِي لِلْوُضُوءِ فَقَطْ لَا يَمْسَحُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ سَرَتْ إلَى الْقَدَمَيْنِ وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ طَهَارَةً كَامِلَةً، وَمِثْلُهُ الْحَائِضُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا. وَاعْتَرَضَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِأَنَّ مَا ذَكَرَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ لَا تَعُودُ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ
أَقُولُ: أَيْ لَا تَعُودُ إلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَلَا غَيْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ الْكَافِي وَالْجَنَابَةُ لَا تَتَجَزَّأُ، فَهُوَ مُحْدِثٌ حَقِيقَةً لَا جُنُبٌ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ؛ فَاعْتِرَاضُ الْبَحْرِ عَلَى الْمُجْتَبَى بِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ غَيْرُ وَارِدٍ كَمَا لَا يَخْفَى فَالصَّحِيحُ فِي تَصْوِيرِهِ مَا فِي الْمُجْتَبَى فِيمَا إذَا تَوَضَّأَ وَلَبِسَ ثُمَّ أَجْنَبَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشُدَّ خُفَّيْهِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَغْتَسِلَ وَيَمْسَحَ. اهـ. أَوْ يَغْتَسِلَ قَاعِدًا وَاضِعًا رِجْلَيْهِ عَلَى شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ ثُمَّ يَمْسَحَ وَمِثْلُهُ الْحَائِضُ، وَلَكِنْ لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ عِنْدَهُ يَوْمَانِ وَأَكْثَرُ الثَّالِثِ، فَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُسَافِرَةً وَتَوَضَّأَتْ ابْتِدَاءَ مُدَّةِ السَّفَرِ وَلَبِسَتْ الْخُفَّ ثُمَّ حَاضَتْ هَذَا الْمِقْدَارَ فَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ نَحْوُ خَمْسِ سَاعَاتٍ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَمْسَحَ فِيهَا. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَلَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فَتَنْقَضِي فِيهَا مُدَّةُ الْمَسْحِ كَمَا أَوْضَحَهُ فِي الْبَحْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ النُّفَسَاءَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute